إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

مجموعه رسائل الإمام الغزالي

مجموعه رسائل الإمام الغزالي

مجموعه رسائل الإمام الغزالي

المؤلف :أبو حامد الغزالي

الموضوع :العقائد والكلام

الناشر :دار الفكر

الصفحات :586

تحمیل

مجموعه رسائل الإمام الغزالي

537/586
*

بسم الله الرّحمن الرّحيم

كتاب المنقذ من الضّلال

المدخل

الحمد لله الذي يفتتح بحمده كل رسالة ومقالة ، والصلاة على محمد المصطفى صاحب النبوة والرسالة ، وعلى آله وأصحابه الهادين من الضلالة.

أما بعد : فقد سألتني أيها الأخ في الدين ، أن أبث إليك غاية العلوم وأسرارها ، وغائلة المذاهب وأغوارها ، وأحكي لك ما قاسيته في استخلاص الحق من بين اضطراب الفرق ، مع تباين المسالك والطرق ، وما استجرأت عليه من الارتفاع عن حضيض التقليد إلى يفاع الاستفسار ، وما استفدته أولا من علم الكلام وما اجتويته ثانيا من طرق أهل التعليم القاصرين لدرك الحق على تقليد الإمام ، وما ازدريته ثالثا من طرق التفلسف ، وما ارتضيته آخرا من طريقة التصوف ، وما انجلى لي في تضاعيف تفتيشي عن أقاويل الخلق من لباب الحق ، وما صرفني عن نشر العلم ببغداد مع كثرة الطلبة ، وما دعاني إلى معاودتي نيسابور بعد طول المدة ، فابتدرت لإجابتك إلى مطلبك بعد الوقوف على صدق رغبتك ، وقلت مستعينا بالله ومتوكلا عليه ، ومستوثقا منه ، وملتجئا إليه :

اعلموا أحسن الله تعالى إرشادكم ، وألان للحق قيادكم أن اختلاف الخلق في الأديان والملل ، ثم اختلاف الأئمة في المذاهب على كثرة الفرق وتباين الطرق ، بحر عميق غرق فيه الأكثرون ، وما نجا منه إلا الأقلون. وكل فريق يزعم أنه الناجي ، و (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) [الروم : ٣٢] هو الذي وعدنا به سيد المرسلين ، صلوات الله عليه ، وهو الصادق الصدوق حيث قال : " ستفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة ، النّاجية منها واحدة" فقد كان ما وعد أن يكون.

ولم أزل في عنفوان شبابي ، منذ راهقت البلوغ قبل بلوغ العشرين إلى الآن وقد أناف السن على الخمسين ، أقتحم لجة هذا البحر العميق ، وأخوض غمرته خوض الجسور ، لا خوض الجبان الحذور ، وأتوغل في كل مظلمة ، وأتهجم على كل مشكلة ، وأتقحم كل ورطة ، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة ، وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة ؛ لأميز بين محق ومبطل ، ومتسنن ومبتدع لا أغادر باطنيّا إلا وأحب أن أطلع على بطانته ، ولا ظاهريّا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظهارته ، ولا فلسفيّا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته ، ولا متكلما إلا وأجتهد في