تحتلبه العروق كما ذكرناه. والخلط الثالث المرة السوداء ومعدته الطحال. وهو بارد يابس لاصق بالمعدة من الجانب الأيسر فيمص من الغذاء كل مشاكل له. والرابع البلغم وهو بارد رطب وله الرئة تمتص من الغذاء ما يشاكلها. والحلقوم رأس الرئة على طبيعة الطحال وهو معد للنفس وهو الحنجرة. ورأس الحلقوم مغطاة بطبق واللهاة مدلاة عليه ، والقلب في الجانب الأيسر تحت الثدي الأيسر. والرحم في الجانب الأيمن لاصق بعروق الفؤاد. وهو معدن الشهوة ، والمعدة معتدلة المزاج وهي كالقدر وتلك الأوعية كلها لها كالأثافي. ولها فمان : مدخل وهو مسلك المريء إلى الفم. والفم الثاني يخرج منه الأثقال وتخدم المعدة. وللصرة أربع قوى : إحداها جاذبة ، والثانية ممسكة ، والثالثة هاضمة ، والرابعة دافعة.
فالجاذبة : حارة رطبة تقوي الدم وتجر الطعام والشراب من الفم إلى المعدة. وكل ما شاكلها تصيره دما وهي منحدرة أسفل المعدة إلى أسفل البطن فتخرج غير متغيرة الشم تشاكل ريح الجنوب.
وأما الممسكة : فباردة يابسة تقوي المرة السوداء وتمسك الطعام والشراب في المعدة ، ولا سبيل للمعدة أن تمسك شيئا دونها وتخرج متغيرة الشم تضاهي ريح الشمال وهما على مضادة الجاذبة فبذلك يعتدلان.
وأما الهاضمة : فتقوي المرة الصفراء ، وتهضم الطعام بالحر ، ويعينها الكبد فيصعد من المعدة إلى الفم غير متغير الشم وهي حارة يابسة كريح الدبور.
وأما الدافعة : فباردة رطبة تقوي البلغم. وقد توقع الطعام والشراب من المعدة إلى الأمعاء إلى الاعفاج إلى الأرض بذلك وكلت ، وهي باردة رطبة معادلة للريح الهاضمة. وصلاح الأمزجة وفسادها تابع لهذه الأمور. والعلم الطبيعي معد لإصلاحها هو فائدته وغرضه ، والنفس تكتسب بالمجاورة من هذه الطبائع ملكة عند غلبتها كالطيش والحدة عند غلبة الصفراء ، والهم والغم وقلة النشاط عند غلبة السوداء إلى غير ذلك كما يكتسبه الرفيق من رفيقه. ومتى كانت هذه الطبائع جارية على اعتدال كانت النفس أجرى إلى السلامة ، وجميع هذا كله بتقدير الله تعالى وتدبيره لا إله إلا هو. فمتى تأمل هذا النضد المحكم والترتيب المنظم ومعادلة بعض القوى لبعض وكيف خلقت اليد للبطش ، واللسان للكلام ، والحدقة للرؤية ، وكيف خلقت على شكل ملائم للنور فجعلت جامدا في أغشية لطيفة مكفنة بالأشفار وجعل للأشفار أهداب تقيها الغبرات والنور الكثيف أن يغشيها علم أن ذلك دال على أن لهذا الصنع العجيب والأمر الغريب مدبرا دبره وعليما أتقنه.
وهذا لا يخفى على ذي بصيرة فإنا قد وجدنا هذا الشكل الإنساني على أتم الحكمة التي تقتضيها العقول فلا تخلو هذه الصنعة العجيبة ، إما أن يكون صنعت نفسها أو صنعها جماد أو صنعها مخلوق حي أو صنعها بارئها وهو الله تعالى. وبطل أن تصنع نفسها لأن وجود الفاعل يجب أن يتقدم على المفعول. وبطل أن يكون الشيء مفعولا من حيث هو فاعل أو فاعلا من حيث هو مفعول. وبطل أن