العنق ، ويتفرق من مجمع الصدر بين الترقوتين عرقان يصعدان إلى العنق وهما الوريدان ، ثم ينفرق من كل واحد عرقان ، ثم جميع هذه العروق ينبعث فيها الغذاء إلى كل عضو ، من الرأس ، من الشفتين وغيرهما.
وأما عروق البدن من الربع الثاني : وهو أحد الأنهار الأربعة من الأنهر الأعظم يتفرق منه عرقان لكل يد عرق من مجمع الصدر من الترقوتين إلى ما بين المنكبين وهما الأكحلان ، ثم ينشعب من كل واحد منهما أربعة عروق سواهما فتسقي العضدين وأجزاءهما ، فذلك عشرة عروق لكل يد خمسة عروق ثم يتفرق من كل واحد من العشرة أربعة تسقي الساعدين ، فذلك خمسون عرقا لكل ساعد منها خمسة وعشرون ، ثم يتفرق من كل واحد من الخمسين عرقا عروق أخرى فتسقي الكفين والأصابع.
وأما الجزء الثالث : فالبطن يفترق منه عرقان من مجمع الحالبين إلى اليدين. يفترق من كل واحد منهما تسعة وعشرون عرقا سواهما يدفع إلى كل جزء حصته من الغذاء : للأضلاع أربعة وثلاثون ، ولسائر أجزاء البطن ستة وعشرون : للعصعص عرقان ، وأربعة للمذاكير ، واثنان للكليتين ، واثنان للمثانة ، واثنان يسقيان المعدة ، واثنان للكبد ، واثنان للطحال ، واثنان للفؤاد ، واثنان للمرارة واثنان للرئة ، واثنان للثديين ، وثلاثون للأضلاع ، لكل ضلع عرقان.
وأما الجزء الرابع : وهما الرجلان. ففيهما الوتين عرق يفترق منه عرقان ، وهما النسيان. وهما للفخذين لكل فخذ عرق من مجمع الوركين يسقيان الفخذين وأجزاءهما ويفترق من كل واحد منها أربعة عروق ، ثم يفترق من الأربعة خمسون عرقا تنتكس في الساقين لكل ساق خمسة وعشرون عرقا ، فقد صار جملة الإنسان جملة مناسبة للعوالم وجزئياتها ، فهو مشبه للعالم الأعلى بنفسه ومشبه للعناصر بما فيه من ماء وهواء ونار وتراب. ويضاهي الجواهر الأرضية. أما الحيوانية ، فبروحه الحيواني. وأما النباتية ، النامية فبما ذكرناه من عروقه ونموه وتغذيه. وأما الجمادية فبعظامه فهذه المشابهة الكلية.
ثم تعرض أجزاءه على كل جزء من العالم فتجده يضاهيه ، وشرح ذلك مما يطول ولو استوفينا فيه الأعمار الطويلة وآباد السنين لما نفد. وعليك أن تمتحن ذلك بكل ما تشاهده ، وتبحث فتجد في عالم جسمك مثل ذلك بل فيه ما يضاهي قوى الحيوان كجرأة الأسد ، وخبث الثعلب ، وطيش القرد وصلابة الخنزير وهكذا.
ثم الغذاء إذا استقر في المعدة طبخته الكبد ، وهي حارة رطبة لاصقة في المعدة من الجانب الأيمن ، يمتص منها من صفو الغذاء وكل حار رطب لمشاكلتها له فتصفيه بجوهرها ، وفيها أنابيب كالمصفى فتجذبه العروق وتنقله ويسير فيها حسب ما قدمناه. وأما المرارة فهي معدة الخلط الذي يقال له المرارة الصفراء وهي حارة يابسة لاصقة بالمعدة من الجانب الأيمن مما يلي الكبد ، يمتص منها من صفو الغذاء كل حار يابس للمشاكلة فتصفيه بجوهرها. ثم