ومعلوم ببرهان العقل أن مؤدي حر الشمس إليه هو الهواء ، فصح بالبرهان الشرعي والعقلي كون آدم عليهالسلام على الصورة التي تقدمت ليجعل الله تعالى تدريج بنيه من نطفة خرجت منه يتلقفها الإناث إلى انقطاعها وتمام القوى ، وذلك حين الساعة وتمام الخلق. فأول الإنسان نطفة ثم علقة ، ثم مضغة ، ثم تنبت فيه العظام ، وتكسى لحما ، فالنطفة الخارجة من الإنسان مسلولة كقشر الحبة من الحبة لكنها مياعة وكالنواة فإن النخلة السحوق فيها ولكن مدمجة ، ولكن من شاهد عقد الثمار تيقن هذا ، فإن الرمانة مثلا تخرج في أصغر ما يمكن غير أنك ترى الشكل مصغرا ثم تقويها الطبائع من خارج بما يجانسها فتصرف تلك الأشكال الكاملة إلى انتهائها وما فيها.
ومن أرسل النطفة وأبصر السقط تحقق ذلك فإنك ترى أشكاله كخطوط مكتوبة ، وحدقتاه كحبات شونيز ووضوح ذلك لا يحوج إلى مزيد تأمل ، فالنطفة مسلولة مائعة بالطبع لما انسلت عنه بذوبان فطري جبلي لا حيلة فيه ، ولذلك يشبه الولد أباه في خلقه وخلقه.
فإن قيل : الأغذية تستحيل دما في الكبد ، ثم تستحيل منيا وكانت قبل ذلك نباتات انفعلت عن الطبائع الأربع ، فلزم أن يكون غير الأب إذا انفعلت عن غيره.
قلنا : الأمر كذلك ولكن الاعتبار بحين انفصالها عن الأب ، فحين انفصالها تنبعث من عروقه وعصبه وكبده بحركة ما ، فتكتسب حينئذ طبعه. وهذا الأمر متسلسل إلى آدم عليهالسلام وعنده يقف الأمر فإن جسمه ونفسه ليسا مأخوذين عن آدم آخر فإن ذلك محال. وفيه إثبات أشخاص لا أول لها وهو محال. فإن الشخص بالضرورة ذو أولية وهو تحت النوع وإذا ثبت هذا فاعلم أن الصور الإنسانية تنقسم إلى أربعة أرباع.
الأول : الرأس. والثاني : اليدان. والثالث : البدن. والرابع : الرجلان.
ثم عظامه منقسمة إلى مائتي وثمانية وأربعين عظما. ففي الرأس : اثنان وأربعون عظما ، وفي الربع الثاني : اثنان وثمانون عظما. وفي الثالث : أربعون عظما. وفي الرابع : أربع وثمانون عظما ، ثم خلق الله سبحانه لهذه العظام رباطات تمسكها ، فعدّة عروق شكل الإنسان ثلاثمائة وستون عرقا. وبهذه العروق تكون الحركة والقبض والبسط.
فرأس هذه العروق في الفؤاد ، وهو العرق المسمى بالنياط والأبهر ومنزلته مع القلب بمنزلة الحاجب للملك يتلقف أمره ثم يخرجه إلى الخدمة ، ثم هذه العروق متصلة بالمعدة تمتص منها قوة الطعام والشراب الذي يدخلها ثم تقسمه بين الكبد ، والمرارة ، والطحال ، والرئة ، وخلق الأبهر مستبطن الصلب ، وهو آخذ من مجمع الكاهل ، إلى مجمع الوركين ، إلى مجمع الحالبين ، إلى مجمع الصدر بين الترقوتين وهو نهر الجسد الأعظم وهو مقسوم لأربعة عروق لأجزاء الجسد الأربعة ، لكل جزء منها عرق ، فللرأس منها عرق يتفرق إلى ستين عرقا ولليدين والرجلين عرق يتفرق إلى مائتي عرق.
والجزء الأول من النهر الأول : وهي أربعة أنهار يتفرق منه عرقان من مجمع الكاهل يسقيان