بيني وبين شيخنا يونس بن عبيد! فدخل يونس فقال : يا رابعة ضيعت دعوة فيما لا بد أن يكون ، فقالت : يا شيخ دع عنك هذا فأين آثار دلال الأحباب وأنت تريد سببا بلاش ، فهذا طلب الأوباش. قال الجنيد لرجل يعطي أجرة الفعلة : أما تعطيني معهم يا شيخ؟ فقال الرجل : يا أحمق تمني نفسك بالبطالة لو عملت لأخذت. وقد مر الشبلي بدار فسمع صاحبة الدار تقول لزوجها : لا نمن عليك إلا بقدر فعلك ، تريد بلاش عناق وزقاق ، فقال الزوج الكسل يعمل أكثر من هذا ، وأنشد :
قد فاتني مقصدي فذبت جوى |
|
حطت لدينا مصائب الكسل |
لو علمت لرضيت عني خليلة |
المقالة العشرون
في المأكل والمشرب وآداب المائدة
اعلم أن الله تعالى خلق هذه الصورة الآدمية وجعل لها غذاء وهو سبب بقائها ، فالناس فيه ضروب : فطائفة تقنع بالقليل من المأكل ، وهي المتقنعة التي يصلح أن يكون منها متعبدون ، والتي هي شبيه الملائكة بخصالها وخلالها ونومها ومأكلها ، فكلما قل الغذاء كنت مشبها لسكان السماء ، وثمرته العافية والغناء عن الطبيب ، ومن قلة الأكل يحصل رقة القلب وقلة المخرج ، فمن كانت همته ما يدخل في بطنه كانت قيمته ما يخرج منها ، والإقلال من الأمراق والفواكه أسلم. واعلم أن كثرة المأكل ككثرة الرفاق لا تربح من كثرتهم خيرا ، ألم تر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما كان يجمع بين الإدامين؟ فهذا فيه زهد وطب. وفي البطون بطون نارية تأكل ما يلقى إليها ، والنار لها سبعة أبواب ، وللبطون مثلها ، مثل باب الحرص ، وباب الشره ، وباب النميمة ، وباب شدة الجوع ، وقلة المبالاة بالخطايا والمأكل الحرام أشد الذنوب وأعظمها. وللجسد سبعة أبواب دالة على أبواب جهنم ، مثل السمع والبصر واللسان والبطن والفرج واليدان والقدمان. فهذه أبواب السعاية الدالة على القبائح وأعظمها البطون ، وأعظم الأفعال القبيحة مظالم العبيد ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : " من أكل لقمتين من حرام حجبت دعوته أربعين صباحا ، ومن ملأ بطنه كانت النّار أولى به". والحرام هو مثل المغصوب والسرقة ، وأخذ القصاص والجناية بغير إذن ربها ، وقطع الطريق ، وقوب الرشوة ، والإجارات على الطاعات ، وابتياع الحرام ، وأجرة الحجامات ، وأخذ ما لا يستحق حتى نوبة الماء ، وأنواع كثيرة ذكرناها في كتب" الإحياء" من الحلال والحرام. وأما المكاسب الحلال فأصلها الحلال مثل البيض والبلوط والمن والحشيش والحطب. وأما الصيد ففيه كلام بين العلماء فتركه أجمل ، وعملك بيدك مع النصح أجل وأكسب. اجتمع أبو الحسين النوري وأبو يزيد وسفيان بن عيينة فأخذوا ببعض أجرتهم خبزا وتصدقوا بالباقي ، فلما قعدوا لأكل الزاد قال سفيان : هل تعلمون منكم النصح في الحصاد؟ فقالوا : لا نعلم ، فتركوا الخبز مكانه وراحوا. واعلم أن سر الحرام غامض نكشف بعضه فنقول : إن الصانع واحد والخلق من فيضه ، فالمعتدي على بعض