فنمت ، فقالت له ليلى : كأن شخصي قد زال عن قلبك ومثالي ، فقال : عزمت عن المثال فاستفقت إلى التمثال ، فأنشدت ليلى :
لم يكن المجنون في حالة |
|
إلّا وقد كنت كما كانا |
بل لي عليه الفضل من أجل ما |
|
باح وإني متّ كتمانا |
قالوا : يا رسول الله إن بشرا وهندا ماتا في حبهما ، فقال صلىاللهعليهوسلم : عجزا عن حمل المحبة فماتا ، ثم قالت عائشة : حتى لك يورثك شوقا وفقرا؟ فقالت : أو أبقى بعدك لا كنت إن بقيت ، فقال : ستبقين ولكن تشقين حتى تلقين ، ثم قال : يا عائشة إذا مات الزوجان المتحابان فلينظر أحدهما رفيقه كانتظار الغائب. (شعر) :
نرى تقدّم الغيّاب حتى نراهم |
|
ونأخذ شوقا منهم حين نأنس |
لقد ضاقت الدّنيا علينا ببعدكم |
|
كمن غصّ بالماء الفرات فييأس |
لئن غبتم عن ظاهر الأمر بيننا |
|
فما أنا إلا للمحبّة أدرس |
إذا ما جلسنا نذكر البين بيننا |
|
تضيق القوافي منكم حيث أجلس |
ولما حضر الموت الصديق قالت زوجته : وا فراقاه! فقال الصديق : بل أنا وا فرحاه بلقاء الأحباب! فلا تخف الموت إن كنت مشتاقا إلى أحبابك ، فلا بدّ من اللقاء في دار البقاء ، فشمر عليك ، وقدم بين يديك عساك تظفر بسهرك ، فمن أدلج بلغ المنزل ، ومن جعل الليل له جملا قطع عليه مفاوز الهلكات. (شعر) :
فثب واثقا بالله وثبة ماجد |
|
ترى الموت في الهيجا جنى النحل في الفم |
وشق الجنيد جبيبته لما سمع صبيا يترنم ويقول : أرى زماني يمر بخشن وينقضي بالمغالطة ، وقد تركني زماني بحال مالي حال ، إذا صحت الأعمال وطينت الأجسام وسهر العاشقون وقللوا الزاد والرقاد ، فتحت أبواب بساتين الاشتياق ، ونزعت شموس المعرفة ، وأزهرت مزاهر القرب من وراء الحجب ، وأشرقت هياكل القلب من أنوار جمال الرب ، ورفع الحجاب وقطعت الأماني ، ونادى العاشق بمعشوقه ، كوشف بالكائنات ، وشاهد حقائق الموجودات ، وحظي بأنواع المكاشفات ، ونثر عليه نثار الكرامات ، وبشر بأعلى المقامات. وقال أبو الحسن النوري : دخلنا على أبي يزيد البسطامي فوجدنا لديه رطبا ، فقال كلوه فإنه هدية الخضر جاء بها من عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأنا ما طلبتها إلا من الله تعالى ، ما طلبتها بواسطة الخضر ، أكلها على يدي الخضر. ثم دخلنا عليه في الجمعة الثانية فوجدنا بين يديه رطبا في طبق ذهب أحمر ، فقلنا : ما تطعمنا منه؟ فقال لا هي لي ولا لكم ، فقلنا : كيف حديثها؟ فقال : كنت قاعدا بالليل أتلو القرآن فسمعت خذ الهدية منا لا واسطة بيننا. واعلم أيها الغافل المحجوب عن لذة المعرفة أن أحباب الله يتدللون عليه كما يتدلل المعشوق على عاشقه ، كما قالت رابعة : بحق ما كان بيني وبينك البارحة اجمع اليوم