آداب الصيام
لا ينبغي أن تقتصر على صوم شهر رمضان ، فتترك التجارة بالنوافل وكسب الدرجات العالية في الفراديس ، فتتحسر إذا نظرت إلى منازل الصائمين كما تنظر إلى الكوكب الدري وهم في أعلى عليين.
والأيام الفاضلة التي شهدت الأخبار بشرفها وفضلها وبجزالة الثواب في صيامها : يوم عرفة لغير الحاج ، ويوم عاشوراء ، والعشر الأول من ذي الحجة ، والعشر الأول من المحرم ، ورجب وشعبان. وصوم الأشهر الحرم من الفضائل ، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب واحد فرد وثلاثة سرد ؛ وهذه في السنة ، وأما في الشهر فأول الشهر وأوسطه وآخره ، والأيام البيض وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. وأما في الأسبوع فيوم الاثنين والخمسين والجمعة ؛ فتكفر ذنوب الأسبوع بصوم الاثنين والخميس والجمعة ، وتكفر ذنوب الشهر باليوم الأول من الشهر واليوم الأوسط واليوم الآخر والأيام البيض ، وتكفر ذنوب السنة بصيام هذه الأيام والأشهر المذكورة.
ولا تظن إذا صمت أن الصوم هو ترك الطعام والشراب والوقاع فقط ، فقد قال صلىاللهعليهوسلم : «كم من صائم ليس له من صيامه إلّا الجوع والعطش» بل تمام الصوم بكف الجوارح كلها عما يكره الله تعالى ، بل ينبغي أن تحفظ العين عن النظر إلى المكاره ، واللسان عن النطق بما لا يعنيك ، والأذن عن الاستماع إلى ما حرم الله تعالى ؛ فإن المستمع شريك القائل ، وهو أحد المغتابين ؛ وكذلك تكف جميع الجوارح كما تكف البطن والفرج ، ففي الخبر : «خمس يفطّرن الصّائم : الكذب ، والنّميمة ، واليمين الكاذبة ، والنّظر بشهوة» وقال صلىاللهعليهوسلم : «الصّوم جنّة ، فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل ، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إنّي صائم».
ثم اجتهد أن تفطر على طعام حلال ، ولا تستكثر فتزيد على ما تأكله كل ليلة لأجل صيامك ، فلا فرق إذا استوفيت ما تعتاد أن تأكله دفعتين في دفعة واحدة ، وإنما المقصود بالصيام كسر شهوتك وتضعيف قوتك لتقوى بها على التقوى ، فإذا أكلت عشية ما تداركت به فاتك ضحوة فلا فائدة في صومك ، وقد ثقلت عليك معدتك ، وما وعاء أبغض إلى الله تعالى من بطن ملئ من حلال ، فكيف إذا ملئ من حرام!
فإذا عرفت معنى الصوم فاستكثر منه ما استطعت ، فإنه أساس العبادات ومفتاح القربات ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : " قال الله تعالى : كلّ حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلّا الصّوم فإنّه لي وأنا أجزي به". وقال صلىاللهعليهوسلم : " والّذي نفسي بيده لخلوف فم الصّائم أطيب عند الله من ريح المسك ، يقول الله عزوجل : إنّما يذر شهوته وطعامه وشرابه من أجلي فالصّوم لي وأنا أجزي به» وقال صلىاللهعليهوسلم : " للجنّة باب يقال له الرّيّان لا يدخله إلّا الصّائمون».
فهذا القدر من شرح الطاعات يكفيك من بداية الهداية ، فإذا احتجت إلى الزكاة والحج ، أو إلى مزيد لشرح الصلاة والصيام ، فاطلبه مما أوردناه في كتاب إحياء علوم الدين.