فقال : صدقت ،
فأين الطريق فلقد سددت علي طريق التعليم والوزن جميعا.
قلت : هيهات راجع
القرآن فقد علمك الطريق ، إذ قال تعالى : (إِنَّ
الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا
هُمْ مُبْصِرُونَ) [الأعراف : ٢٠١].
ولم يقل سافروا إلى الإمام المعصوم فإذا هم مبصرون فأنت تعلم أن المعارف كثيرة فلو
ابتدأت في كل مشكلة سفرا إلى الإمام المعصوم بزعمك طال عناؤك وقلّ علمك ، لكن
طريقك أن تتعلم مني كيفية الوزن وتستوفي شروطه فإن أشكل عليك شيء عرضته على
الميزان وتفكرت في شروطه بفكر صاف وجدّ واف فإذا أنت مبصر وهذا كما لو حسبت ما
للبقال عليك أو لك عليه أو قسمت في مسألة من مسائل الفرائض وشككت في الإصابة
والخطأ فيطول عليك أن تسافر إلى الإمام المعصوم ، ولكن تحكم علم الحساب وتتذكره
ولا تزال تعاوده مرة بعد أخرى حتى تستيقن قطعا أنك ما غلطت في دقيقة من دقائقها
وهذا يعرفه من يعرف علم الحساب ، وكذلك من يعرف الوزن به كما أعرفه فينتهي به
التذكر والتفكر والمعاودة مرة بعد أخرى إلى اليقين الضروري بأنه ما غلط ، فإن لم
تسلك هذه الطريق لم تفلح قط وصرت تشكك بلعلّ وعسى ولعلك قد غلطت في تقليدك لإمامك
بل للنبي الذي آمنت به فإن معرفة صدق النّبي صلىاللهعليهوسلم ليست ضرورية.
فقال : لقد
ساعدتني على أن التعليم حقّ ، وأن الإمام هو النبيّ صلىاللهعليهوسلم واعترفت بأن كل واحد لا يمكنه أن يأخذ العلم من النبيّ صلىاللهعليهوسلم دون معرفة الميزان ، وأنه لا يمكنه معرفة تمام الميزان إلا
منك فكأنك ادعيت الإمامة لنفسك خاصّة ، فما برهانك ومعجزتك ، فإن إمامي إما أن
يقيم معجزة وإما أن يحتجّ بالنص المتعاقب من آبائه إليه ، فأين نصك وأين معجزتك؟
فقلت : أما قولك :
إنك تدعي الإمامة لنفسك خاصة ، فليس كذلك فإني أرجو أن يشاركني غيري في هذه
المعرفة فيمكن أن يتعلم منه كما يتعلم منّي فلا أجعل التعليم وقفا على نفسي. وأما
قولك : تدّعي الإمامة لنفسك ، فاعلم أن الإمام قد نعني به الذي يتعلم من الله
تعالى بواسطة جبريل وهذا لا أدعيه لنفسي ، وقد نعني به الذي يتعلم من الله بغير
جبريل ومن جبريل بواسطة الرسول ، ولهذا سمي علي رضي الله عنه إماما فإنه تعلم من
الرسول لا من جبريل ، وأنا بهذا المعنى أدّعي الإمامة لنفسي. أما برهاني عليه
فأوضح من النص ومما تعتقده معجزة فإن ثلاثة أنفس لو ادعوا عندك أنهم يحفظون
القرآن.
فقلت : ما برهانكم؟
فقال أحدهم : برهاني أنه نصّ علي الكسائي أستاذ المقرئين إذ نص على أستاذي وأستاذي
نص علي فكأن الكسائي نصّ علي. وقال الثاني : إني أقلب العصا حية فقلب العصا حية.
وقال الثالث : برهاني أني أقرأ جميع القرآن بين يديك من غير مصحف ، فليت شعري أي
هذه البراهين أوضح عندك وقلبك بأيها أشد تصديقا؟ فقال : بالذي قرأ القرآن فهو غاية
البراهين إذ لا يخالجني فيه ريب ، أما نصّ أستاذه عليه ونصّ الكسائي على أستاذه
فيتصور أن تقع فيه أغاليط لا سيما عند طول الأسفار. وأما قلب العصا حية فلعله فعل
ذلك