بحيلة وتلبيس وإن لم يكن تلبيسا فغايته أنه فعل عجيب ومن أين يلزم أن من قدر على فعل عجيب ينبغي أن يكون حافظا للقرآن.
قلت : فبرهاني إذا أيضا أني كما عرفت هذه الموازين فقد عرفت وأفهمت وأزلت الشك عن قلبك في صحته فيلزمك الإيمان بإمامتي كما أنك إذا تعلمت الحساب وعلمته من أستاذ فإنه إذا علّمك الحساب حصل لك علم بالحساب ، وعلم آخر ضروري بأن أستاذك حاسب وعالم الحساب ، وكذلك فقد علمت من تعليمه علمه وصحة دعواه أيضا في أنه حاسب ، وكذلك آمنت أنا بصدق محمّد صلىاللهعليهوسلم وصدق موسى عليهالسلام لا بشق القمر ولا بقلب العصا حية بمجردها ، فإن ذلك يتطرق إليه حينئذ التباس كثير فلا يوثق به بل من يؤمن بقلب العصا حية يكفر بخوار العجل. فإن التعارض في عالم الحسّ والشهادة كثير جدا ، لكني تعلمت الموازين من القرآن ثم وزنت بها جميع المعارف الإلهية بل أحوال المعاد. وعذاب القبر وعذاب أهل الفجور وثواب أهل الطاعة ، كما ذكرته في كتاب جواهر القرآن فوجدت جميعها موافقة لما في القرآن ، ولما في الأخبار فتيقنت أن محمّدا صلىاللهعليهوسلم صادق وأن القرآن حق ، وفعلت كما قال علي رضي الله عنه إذ قال : " لا تعرف الحق بالرجال أعرف الحق تعرف أهله". فكانت معرفتي بصدق النبيّ صلىاللهعليهوسلم ضرورية كمعرفتك إذا رأيت رجلا غريبا يناظر في مسألة من مسائل الفقه ويحسن فيها ويأتي بالفقه الصحيح الصريح ، فإنك لا تتمارى في أنه فقيه ويقينك الحاصل به أوضح من اليقين الحاصل بفقهه لو قلب ألف عصا ثعبانا لأن ذلك يتطرق إليه احتمال السحر والتلبيس والطلسم وغيرها ولا يحصل العلم بالقرآن بينها وبين هذه الأشياء ، وكونها معجزة إلّا بعد بحث طويل ونظر دقيق ويحصل به إيمان ضعيف هو إيمان العوام والمتكلمين ، فأما إيمان أرباب المشاهدة الناظرين من مشكاة الربوبية كذلك تكون.
فقال : فأنا أيضا أشتهي أن أعرف النبيّ صلىاللهعليهوسلم كما عرفته ، وقد ذكرت أن ذلك لا يعرف إلا بأن توزن جميع المعارف الإلهية بهذا الميزان وما اتّضح عندي أن جميع المعارف الدينية يمكن وزنها بهذه الموازين فيما أعلم ذلك؟
قلت : هيهات لا أدعي أني أزن بها المعارف الدينية فقط ، بل أزن بها العلوم الحسابية والهندسية والطبيعية والفقهية والكلامية وكل علم حقيقي غير وضعي ، فإني أميز حقّه عن باطله بهذه الموازين ، وكيف لا وهو القسطاس المستقيم والميزان الذي هو رفيق الكتاب والقرآن في قوله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) [الحديد : ٢٥]. وأما معرفتك بقدرتي على هذا فلا تحصل لا بنصّ ولا بقلب العصا ثعبانا ، ولكن تحصل بأن تستكشف ذلك تجربة وامتحانا فمدعي الفروسية لا ينكشف صدقه حتى يركب فرسا ويركض ميدانا فسلني عما شئت من العلوم الدينية لأكشف لك الغطاء عن الحقّ فيه واحدا واحدا وأزنه بهذا الميزان وزنا يحصل لك علم ضروري بأن الوزن صحيح وأن