الباب الحادي والثلاثون
في بيان الشكر ، ولواحقه السرور ، لأنه من أحواله والحكمة
لأنها من أعماله
أما العلم الذي هو سبب الشكر : فهو أن تعلم أن النعم كلها من الله تعالى وحده. وهذا واجب ، لأنه من الإيمان بالله تعالى قال الله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣]. وشكر المنعم واجب وهو من الإيمان. وأما الحال الناشئ عن هذا العلم فهو الفرح والسرور بأنعم الله فهذا الفرح شكر بنفسه ، لأنه مراد لذاته وهو واجب لأنه من الإيمان بالله تعالى وهو ثمرة الإيمان بالله تعالى. وأما عمل الشكر : فهو مراد لذاته ولغيره أما كونه مرادا لذاته فلأن العمل باستعمال النعمة فيما خلقت له من تمام الحكمة. وأما كونه مرادا لغيره فلحفظ النعم الموجودة والزيادة عليها. وعلى الجملة ، فالشكر هو استعمال النعمة فيما خلقت له فمن اعتدلت له أحواله حتى وضع كل شيء موضعه كان حكيما لأن الحكمة وضع كل شيء محله علما كان أو عملا وبالله التوفيق.
الباب الثاني والثلاثون
في بيان التوكل ولواحقه التفويض والتسليم والثقة والرضى
لأنهن من آدابه
أما العلم الحامل على التوكل : فهو أن تعلم أن الله قائم بنفسه وأنه مقيم لغيره ، ثم تعلم سعة علمه وحكمته وكمال قدرته.
وأما الحال الناشئ عن هذا العلم : فهو اعتماد القلب على الله تعالى وسكونه ، وعدم اضطرابه لتعلقه بالله تعالى ، ولا يجب على من علم التوكل وحاله إلا ما يكف عن الأسباب المحظورة. والتوكل مع شرفه منخفض الرتبة عن التفويض والتسليم ، لأن غايته طلب جلب النفع ودفع الضر ، والتفويض والتسليم حقيقتهما الانقياد والإذعان للأمر والنهي وترك الاختيار في جملة ما حكم الله تعالى به.
وأما الثقة : فمعناها الربط على القلب وعدم الانفصام على ما حواه من التصديقات وهي حالة مكملة لجميع المقامات والأحوال.
وأما الرضى : فإنما يكون بعد المقضي به ، والتفويض والتسليم يكون قبل المقضي به والقدر الواجب من الرضى هو أن يكون راضيا بعقله وإن كان كارها بطبعه ، لأن الكراهية لا تدخل تحت اختيار العبد ، فمن كره بعقله شيئا مما امتحن الله تعالى به عباده في الدنيا والآخرة أو شكا بلسانه أثم وخرج عن واجب الرضى وبالله التوفيق.