سبحانه وتعالى ، والغنى بالله تعالى وسيلة إلى تجريده عما سوى الله تعالى ، ولا يجب من التجريد إلا اعتقاد تجريد القديم عن الحادث ، والله تعالى أعلم.
الباب التاسع والعشرون
في بيان الزهد ، ويضاف إليه الإيثار والفتوة ، لأنهما من أخلاقه
وكذلك مقام المراد ، لأنه من مواريثه
أما العلم الذي هو سبب الزهد في الدنيا : فهو من الإيمان لله تعالى وهو قوله تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) [الأعلى : ١٦. ١٧]. وأما الحال الناشئ عن هذا العلم : فهو انصراف الإرادة عن الدنيا لاستعظام ما عند الله. وأما سبب الزهد فيما سوى الله تعالى من نعيم الجنة وغيرها ، فهو إضافة حقارة الوجود إلى جلال الله تعالى وكماله ، وهذا هو الزهد المراد لذاته وهو من الإيمان بالله تعالى لتعلقه بالجلال والكمال ، والزهد الذي قبله مراد لغيره وهو فراغ القلب لهذه المعرفة ، والقدر الواجب من الزهد المراد لغيره ما يحث على الفراغ لأوقات الواجبات والزهد لا يتعلق إلا بالمباح. ومن شرطه أن يكون مقدورا عليه.
وأما ثمرته : فهو الإيثار وهو أعلى درجات السخاء ، لأن السخاء هو بذل ما لا يحتاج إليه سمحا لا تكلفا ، والإيثار هو بذل ما هو محتاج إليه سمحا بغير عوض ولا غرض إلا لتخلقه بأخلاق الله سبحانه وتعالى.
وأما الفتوة : فهي ترجع إلى أخلاق المروءة ، فمن قام بواجب الشرع وواجب المروءة فهو الفتى ، ومن شارك أبناء الدنيا فيما هم فيه فلا فتوة له ولا مروءة. وأما مقام المراد ، فهو الذي وقف على حقيقة الأمر بغير منازع ولا مدافع ولم يشغله عن الله تعالى شيء ، والله أعلم.
الباب الثلاثون
في بيان المحاسبة ، ولواحقها الاعتصام والاستقامة ، لأنهما
الثمرة المقصودة
أما المحاسبة فحقيقتها تفقد ما مضى وما يستقبل وهي واجبة بإجماع الأمة. أما العلم الحامل عليها : فهو الإيمان بمحاسبة الله تعالى. وهذه المحاسبة توجب الاعتصام والفرق بين الاعتصام والاستقامة أن الاعتصام هو التمسك بكتاب الله تعالى والحفظ لحدوده والاستقامة هي الثبات والاعتدال عن الميل إلى طرفي الأمر المعتصم به والاستقامة مرادة لذاتها ولغيرها. أما كونها لذاتها فلأنها وسيلة إلى الدخول في مقام الجمع من وادي التفرقة ، والله تعالى أعلم.