فيما نفيتم مما أثبته الله ورسوله نظير قولكم فيما أثبتموه ، وإذا فلا مناص من أحد أمرين : أما ترك المراء والجدل والتصريح بمذاهب قدماء الطبيعيين من الفلاسفة في جحد الصانع والانسلاخ من الإيمان أو الانضواء تحت لواء المجسمة أهل القرآن والقتال معهم ، فهذا أولى من التلاعب بالعقول وبالنصوص وبما أجمعت عليه سائر الملل والشرائع من اثبات صفاته وكلامه وعلوه على خلقه ببيان شاف ولفظ صريح.
* * *
فأصنع من التنزيه ترسا محكما |
|
وانف الجميع بصنعة وبيان |
وكذاك لقب مذهب الاثبات |
|
بالتجسيم ثم احمل على الأقران |
فمتى سمحت لهم بوصف واحد |
|
حملوا عليك بحملة الفرسان |
فصرعت صرعة من غدا متليطا |
|
وسط العرين ممزق اللحمان |
فلذاك أنكرنا الجميع مخافة |
|
التجسيم ان صرنا إلى القرآن |
ولذا خلعنا ربقة الأديان من |
|
أعناقنا في سالف الأزمان |
الشرح : وإذا كان الغلب لأهل الاثبات لا تساق مذهبهم ومطابقته للنصوص الصريحة فلا بد اذن من اعمال الحيلة للتغلب عليهم ، وذلك بأن نسمي النفي والتعطيل تنزيها ، وأن نتخذ من هذا التنزيه ترسا محكما وسياجا قويا ، فنعمد بواسطته إلى نفي جميع الأسماء والصفات بطريقة فنية تتسم بأحكام الصنعة واجادة البيان حتى يروج كلامنا عند الناس ، وعلينا كذلك أن نشنع على أهل الاثبات ، وننفر الناس منهم فنلقبهم بأهل التجسيم ثم نحمل عليهم حملة قوية في دفع مذهبهم والتشغيب عليهم في كل ما أثبتوه دون أن نبدي لهم ملاينة أو مهادنة ، فإننا متى سمحنا لهم بإثبات وصف واحد حملوا علينا حملة نكراء وألزمونا ، أما اثبات الكل أو نفي الكل ، فعدونا صرعى في الميدان ، كمن غدا قتيلا وسط العرين ، وهو بيت الأسد ممزق الأوصال. وهذا هو الذي حدا بنا إلى انكار جميع المذاهب مخافة الوقوع في التجسيم ان صرنا إلى القرآن وأخذنا