اكتب كل ما هو كائن ، فجرى القلم بما هو كائن». والآيات والأحاديث في إثبات القدر من الكثرة والصراحة بحيث لا تحتمل إنكارا ولا تأويلا.
ولكنهم مع إثبات القدر يرون أنه لا يصلح حجة لأحد على ما يقع فيه من الكفر والظلم وسائر المعاصي ، بل يرون أن حجة الله قائمة على عباده بعد أن أوضح السبيل وأزاح العلل وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، وقد رد الله على المشركين في تعللهم بالقدر وبين أن ذلك تخرص بغير علم ، قال تعالى : (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ ، كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا ، قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ* قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) [الأنعام : ١٤٨ ، ١٤٩].
ويرون أن العباد هم الفاعلون حقيقة لأفعالهم من الطاعات والمعاصي ، وإن كانت واقعة بقدر الله ولهذا يستحقون عليها المدح والذم والثواب والعقاب.
ومذهبهم في ذلك وسط بين مذهب الجبرية الذين يرون أن العبد لا قدرة له ولا اختيار ، وأنه ليس فاعلا على سبيل الحقيقة ، بل تنسب إليه أفعاله على أنه محل لجريانها ، فيقال صلى فلان وصام كما يقال : طلعت الشمس وهبت الريح. وبذلك لا يكون مسئولا عنها ولا مستحقا عليها ثوابا أو عقابا ، وبين مذهب القدرية نفاة القدر الذين يزعمون أن العباد مستقلون بخلق أفعالهم الاختيارية دون تدخل أصلا لقدرة الله ولا لإرادته فيها ، وأنه لم يشأها منهم ولا قدرها عليهم فبئس الرأيان من غال في إثبات القدر إلى حد الجبر ، ومقصر فيه إلى حد نفي المشيئة عن فعل العبد ، وأشهد عليهم بأنهم يرون أن الإيمان تصديق بالجنان وقول باللسان وعمل بالأركان وأنه يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي كما دلت على ذلك الآيات والأحاديث الكثيرة بل هو قابل للزيادة والنقص باعتبار ركنه الأول الذي هو التصديق فإنه لا يعقل أن يكون إيمان أحد العصاة من هذه