ويرى الجهم أيضا أن الله عزوجل يعيد هذا العالم بعد الفناء بعينه ، يعني بجميع صفاته وأعراضه ، حتى قال جهلا باعادة الزمان الأول الذي كان مقارنا للوجود الأول بعينه. وهذا معنى قول الناظم رحمهالله (اعادة بزمان) يعني اعادة مصحوبة بالزمان الذي كان مقارنا للأشياء حتى يكون الثاني عين الأول.
وأعلم أن الذي أوقع الجهم وأشياعه من المتكلمين في مثل هذه الجهالات هو ايمانهم بالجوهر الفرد واعتقادهم أن العوامل كلها مركبة من هذه الجواهر الفردة التي لا تقبل القسمة ، فبنوا على هذه النظرية الفاسدة كل أصول دينهم ، ومنها المعاد فصاروا على قولين فيه ، فمنهم من قال : تعدم الجواهر ثم تعاد ، كما هو مذهب الجهم ، ومنهم من قال : بل تفرق الاجزاء ثم تجمع ، وقد أورد الفلاسفة على كل من القولين من الشبه ما اضطر فريقا من المتكلمين كالحليمي والغزالي أن يدعوا أن الاعادة لا تكون لهذه الاجسام التي كانت في الدنيا ، بل يخلق الله أجساما جديدة ويعيد الأرواح إليها مع مخالفة ذلك للنصوص الصريحة التي دلت على أن هذه الاجسام التي باشرت الطاعة والمعصية هي التي تعاد ، وهي التي يجري عليها الثواب والعقاب.
* * *
هذا المعاد وذلك المبدا الذي |
|
جهم وقد نسبوه للقرآن |
هذا الذي قاد ابن سينا والألى |
|
قالوا مقالته الى الكفران |
لم تقبل الأذهان ذا وتوهموا |
|
أن الرسول عناه بالإيمان |
هذا كتاب الله أنى قال ذا |
|
أو عبده المبعوث بالبرهان |
أو صحبه من بعده أو تابع |
|
لهم على الايمان والاحسان |
الشرح : عرفنا أن الجهم يرى أن الاعادة ستكون عن عدم محض كما أن الابداء كان كذلك ، ويزعم أن هذا هو معنى قوله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء : ١٠٤] وقوله : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) [الاعراف : ٢٩] يعني أن الله كما بدأ الأشياء عن عدم محض ، فكذلك يعيدها عن عدم