ما صنعته خديجة من تقوية قلب النبي صلىاللهعليهوسلم لتلقي ما أنزل الله عليه ، فقال لها : «لقد خشيت على نفسي». فقالت : كلا ، والله لا يخزيك الله أبدا ، وذكرت خصاله الحميدة ، وتوجهت به إلى ورقة. وهو في الصحيح.
وقد ذكره ابن إسحاق ، فقال : وكانت خديجة أول من آمن بالله ، ورسوله وصدق بما جاء به ، فخفف الله بذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فكان لا يسمع شيئا يكرهه من الرد عليه ، فيرجع إليها إلا تثبته وتهوّن عليه أمر الناس.
وعند أبي نعيم في «الدّلائل» بسند ضعيف عن عائشة ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان جالسا معها إذ رأى شخصا بين السماء والأرض ، فقالت له خديجة : ادن مني ، فدنا منها ، فقالت : تراه : قال : «نعم». قالت : أدخل رأسك تحت درعي ، ففعل ، فقالت : تراه؟ قال : «لا». قالت : أبشر ، هذا ملك ، إذا لو كان شيطانا لما استحيا ، ثم رآه بأجياد ، فنزل إليه وبسط له بساطا ، وبحث في الأرض فنبع الماء ، فعلمه جبرئيل كيف يتوضأ ، فتوضأ وصلّى ركعتين نحو الكعبة وبشره بنبوته وعلمه : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] ، ثم انصرف ، فلم يمر على شجر ولا حجر إلا قال : سلام عليك يا رسول الله ، فجاء إلى خديجة فأخبرها ، فقالت : أرني كيف أراك ، فأراها فتوضأت كما توضأ ثم صلت معه ، وقالت : أشهد أنك رسول الله.
قلت : وهذا أصرح ما وقفت عليه في نسبتها إلى الإسلام.
قال ابن سعد : كانت ذكرت لورقة ابن عمها ، فلم يقدر ، فتزوجها أبو هالة ، ثم عتيق بن عائذ ، ثم أسند عن الواقدي بسند له عن عائشة ، قال : كانت خديجة تكنى أم هند. وعن حكيم بن حزام أنها كانت أسنّ من النبي صلىاللهعليهوسلم بخمس عشرة سنة.
وروى عن المدائنيّ بسند له عن ابن عباس ـ أن نساء أهل مكة اجتمعن في عيد لهن في الجاهلية ، فتمثّل فهن رجل ، فلما قرب نادى بأعلى صوته : يا نساء مكة ، إنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد ، فمن استطاع منكن أن تكون زوجا له فلتفعل ، فحصبنه إلا خديجة ، فإنّها عضت على قوله ، ولم تعرض له.
وأسند أيضا عن الواقديّ ، من حديث نفيسة أخت يعلى بن أمية ، قالت : كانت خديجة ذات شرف وجمال. فذكر قصة إرسالها إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم وخروجه في التجارة لها إلى سوق بصرى ، بربح ضعف ما كان غيره يربح ، قالت نفيسة : فأرسلتني خديجة إليه دسيسا أعرض عليه نكاحها ، فقبل ، وتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة ، فولدت له القاسم ، وعبد الله ، وهو الطيب ، وهو الطاهر ، سمي بذلك لأنها ولدته في الإسلام وبناته الأربع ، وكان من