وأما السنة : فما روى أن لبيد بن الأعصم (١) سحر رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم وألقى السحر فى بئر دودان تحت مشط ومشاطة ودل [جبريل] (٢) النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأمر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ عليا باخراجه ، فلما أخرجه وحل عقده ، انسلّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ مما كان معه كما أنشط من عقاله ، ونزلت عقيب ذلك سورة الفلق.
وأما الإجماع : فهو أنه ما من عصر من الأعصار من عهد الصحابة إلى حين ظهور المخالفين إلا وقد كان الناس يتفاوضون فى أمر السحر وتأثيراته حتى اختلف الفقهاء والأئمة فى أحكام الساحر.
فحكم بعضهم بوجوب قتله ، وحكم آخرون بكفره ، وقال الشافعى (٣) : إذا اعترف الساحر أنه قتل رجلا بسحره ، وأنّ سحره مما يقتل غالبا فعليه القود من غير نكير ؛ فكان ذلك إجماعا. وقد اشتهرت / الروايات الصحيحة أن ساحرا حضر مجلس الوليد بن (٤) عقبه فكان يدخل فى جوف بقرة ويخرج منها ويفعل ذلك مرّة بعد مرة حتى ضرب
__________________
(١) لبيد بن الأعصم ـ منافق. كان حليفا لليهود. وهو من الخزرج. انظر عنه وما حدث منه فتح البارى ١٠ / ٢٣٦ شرح حديث ٥٧٦٣.
وانظر هامش شرح المواقف. الموقف السادس ص ٨٣ فقد علق على ما حدث بقوله : «روى أنه سحر النبي صلىاللهعليهوسلم ـ فى إحدى عشرة عقدة وتر دسه فى بئر. فمرض عليهالسلام ، ونزلت المعوذتان ، وأخبره جبريل عليهالسلام بموضع السحر ، فأرسل عليا كرم الله وجهه ؛ فجاء به ؛ فقرأهما عليه ، وكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد بعض الخفة. فإن قلت : هل لا يلزم على هذا صدق الكفرة فى أنه مسحور. قلت : لا لأنهم أرادوا به أنه مجنون بواسطة السحر. وحاشاه عن ذلك»
(٢) فى أ ، ب (ميكائيل).
(٣) الإمام الشافعى : محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشى. أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ، وإليه نسبة الشافعية كافة. ولد فى غزة بفلسطين سنة ١٥٠ ه وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين وزار بغداد مرتين ، وقصد مصر سنة ١٩٩ ه وتوفى بها وقبره معروف بالقاهرة. أفتى وهو ابن عشرين سنة كان من أذكياء العالم له تصانيف كثيرة مشهورة : أشهرها كتاب الأم فى الفقه ، والرسالة فى أصول الفقه وكتبت عنه كتب كثيرة منها :
كتاب [الإمام الشافعى] فى سيرته للشيخ مصطفى عبد الرازق وكتاب [الشافعى] للشيخ أبو زهرة. قال عنه الإمام أحمد بن حنبل : «ما أحد ممن بيده محبرة ، أو ورق ، إلا وللشافعى فى رقبته منّة». توفى ـ رضى الله عنه ـ بالقاهرة سنة ٢٠٤ ه.
[تذكرة الحفاظ للذهبى ٣٢٩ وصفة الصفوة لابن الجوزى تحقيق أبى على مسلم الحسينى مكتبة الإيمان بالمنصورة ١ / ٤١٣ ـ ٤١٩ وطبقات الشافعية للسبكى ١ / ١ ـ ١٨٥].
(٤) الوليد بن عقبة بن أبى معيط ، أسلم يوم فتح مكة ، وهو أخو عثمان بن عفان لأمه ـ بعثه رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على صدقات بنى المصطلق ثم ولاه عمر ـ رضى الله عنه ـ صدقات بنى تغلب. تولى إمارة الكوفة بعد سعد بن أبى وقاص سنة ٢٥ ه فى عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه واستمر بها حتى سنة ٢٩ ه واتهم بشرب الخمر ، وشهد عليه جماعة فعزله الخليفة عثمان وأقام عليه الحد ، ولما قتل الامام عثمان تحول الوليد إلى الجزيرة الفراتية فسكنها ، واعتزل الفتنة بين على ومعاوية مات بالرقة سنة ٦١ ه (الإعلام للزركلى ٨ / ١٢٢)