ولا يخفى أن نسبة النسيان إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ مع أنه لا تبعة على الناسى أولى من نسبة ترك الواجب ، أو فعل المحرّم إليه ، مع لزوم التبعة فيه / / كيف وأنه إذا قيل بجواز ارتكاب النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ / المعصية عمدا ، فالقول بامتناع ذلك عليه ناسيا خروج عن المعقول ، وقول بما لم يقل به قائل ؛ بل الصحيح المنقول فيه أنه قال : «أمّا أنا أنسى وأنسّى لأشرع». وذلك ظاهر فى سبب النسيان حقيقة ؛ فلا يجوز ترك الظاهر من غير دليل.
قولهم : المسموع من قوله تلك «الغرانيق العلى». إنما كان صوت الشيطان.
قلنا : إحالة ذلك على سماع صوت الشيطان مع أن القراءة لم تسمع فى اعتقاد كل من كان حاضرا إلا من النبي مما يوجب انخراق العادة وذلك لا يجوز إلا بدليل مقاوم للأمر العادى ، أو أرجح منه. وسيأتى له مزيد تقرير فيما بعد.
قولهم : الإجماع منعقد على امتناع صدور كلمة الشرك من الأنبياء.
قلنا : فى العمد ، أو النسيان ، الأول : مسلم. والثانى : ممنوع.
وأما قوله ـ تعالى ـ (أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) (١) فالمراد منه وسوس فى قلبه ، وخيّل إليه ، وأشغله حتى نسى.
قولهم : يجب حمله على التشبيه بالناسى.
قلنا : هذا هو الكفر الصراح ؛ إذ فيه تشبه تعمد النطق بالشرك أو بتلاوة ما ليس من القرآن فى الصلاة ؛ لقصد التشريع ؛ وهو محال.
قولهم : يجب حمل النسيان فى النصوص على التشبه بالناسى.
قلنا : هذا ترك لحقيقة النسيان من غير دليل ؛ فلا يقبل.
قولهم : لفظ النسيان مسلّم. غير أن تقييد المطلق أيضا من غير دليل ممتنع ، كما أن تخصيص العموم من غير دليل ممتنع.
الطرف الثانى : فى بيان ما قيل فى عصمة الأنبياء عن تعمد الصغائر التى لا يلحق فاعلها بالأخسّاء الأراذل ، كما سبق تحقيقه.
__________________
/ / أول ل ٩٣ / ب.
(١) سورة الحج ٢٢ / ٥٢.