الحجة الرابعة :
قوله ـ تعالى ـ حكاية عن إبراهيم (١) ـ عليه الصلاة والسلام ـ :
(فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ...) إلى قوله (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) (٢).
ووجه الاحتجاج به : أنه لا يخلو : أنه قال ذلك معتقدا ، أو غير / / معتقد.
فإن كان الأول : فقد اعتقد إلها غير الله ـ تعالى ـ / وهو غير جائز عند الخصوم لا قبل النبوة ولا بعدها.
وإن كان الثانى : فقد كذب فى قوله (هذا رَبِّي) والكذب أيضا غير جائز عندهم على الأنبياء مطلقا.
فإن قيل : لا نسلم أنه بقوله : هذا ربى مخبرا ؛ ليكون كاذبا. وبيانه من وجهين :
الأول : أنه إنما ذكر ذلك على طريق الاستفهام. وإسقاط حرف الاستفهام جائز للاستغناء عنه.
__________________
(١) ابراهيم عليهالسلام : هو ابراهيم بن تارح ، بن ناحور ، بن ساروغ وينتهى نسبه الى (سام بن نوح) وبينه وبين نوح عليهالسلام أكثر من ألف عام وقد ورد فى القرآن الكريم أن اسم أبيه آزر ؛ وهذا هو الصحيح وقد ورد فى الحديث أيضا روى البخارى عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن والد ابراهيم هو (آزر) قال ـ صلىاللهعليهوسلم ـ :
«يلقى ابراهيم أباه (آزر) يوم القيامة ، وعلى وجه آزر قترة وغبرة (أى سواد وغبار) ... الخ الحديث فهذا الحديث نص على أن اسم أبيه آزر ؛ وهو الحق. قال تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ) سورة الأنعام ٦ / ٧٤.
وابراهيم عليهالسلام هو أبو الأنبياء وهو عليهالسلام من أولى العزم من الرسل ، وقد خص الله تبارك وتعالى ابراهيم عليهالسلام بخصائص ومزايا فريدة ؛ فجعله أبا لمن أتى بعده من الأنبياء ، وإماما للأتقياء ، وقدوة للمرسلين وهو خليل رب العالمين. ابتلى بأنواع من الابتلاء ، وامتحن بضروب من الامتحان ؛ فصبر وكان فى أيمانه مثل الجبال الرواسخ ولم يتزعزع ولم يضطرب ابتلى ؛ فصبر. وانتصر فشكر ؛ فكان عبدا طائعا ؛ ولذلك اختاره الله خليلا (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً).
وقد عاش سيدنا ابراهيم ـ عليهالسلام ـ مائة وخمسا وسبعين سنة على أصح الروايات ودفن فى مغارة (المكفلية) وهى فى البلدة التى سميت باسمه الخليل بفلسطين. مدينة الخليل الآن. رحمهالله رحمة واسعة.
[قصص الأنبياء لابن كثير ص ١٣٠ ـ ١٩١ والنبوة والأنبياء للصابونى ص ١٤٥ ـ ١٦٤].
(٢) سورة الأنعام ٦ / ٧٦ ـ ٧٨. ولمزيد من البحث والدراسة انظر : تفسير الكشاف للزمخشرى ٢ / ٣٠ ـ ٣١ ، وتفسير الرازى ١٣ / ٤٩ ـ ٦١ ، وتفسير القرطبى ٤ / ٢٤٦١ ـ ٢٤٦٤ ، ومختصر تفسير ابن كثير ١ / ٥٩٢ ـ ٥٩٣ ، ودقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية ت د. محمد السيد الجليند ط مؤسسة القرآن دمشق ـ بيروت. ٣ / ١١٢ ـ ١١٦ ، وتفسير المنار ٧ / ٤٦٣ ـ ٤٧٧ ، وشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ١٤٢ ، وشرح المقاصد للتفتازاني ٣ / ٣١٢.
/ / أول ل ٩٦ / أ.