وأقرب ما يلزم منه فيما نحن فيه أن لا يبقى الوثوق بمن دلّت المعجزة على صدقه ولو بعد لحظة أنه هو لجواز إعدامه ، وخلق مثله.
وإن لم يكن ما اقترن بقوله خارقا [للعادة] (١) ؛ فلا دلالة على صدقه ؛ فلا تمييز له عن غيره ؛ لتساوى الناس فيما ليس بخارق.
[الشبهة] الرابعة عشرة : سلّمنا جواز خرق العوائد ولكن إنّما يدله ذلك على صدقه أن لو لم يكن ذلك من فعله. وإلا فبتقدير أن يكون من فعله ، فلا دلالة له على صدقه. ولا يكون ذلك نازلا منزلة التصديق له من الله ـ تعالى ؛ لكونه غير مخلوق له ؛ فلا بدّ من بيان أنّه ليس من فعله ، وما المانع أن يكون ذلك الشّخص قادرا على ما لا يقدر عليه غيره باعتبار مخالفة نفسه لسائر النّفوس الإنسانيّة بالحقيقة ، والماهية.
[الشبهة] الخامسة عشرة : سلمنا امتناع مخالفة نفسه لباقى النفوس الإنسانية ، ولكن ما المانع أن يكون مزاج بدنه الخاص به مخالفا لأمزجة باقى الناس ، ويكون لذلك قادرا على ما لا يقدر عليه غيره.
[الشبهة] السادسة عشرة : سلمنا امتناع مخالفة مزاجه لمزاج غيره ، ولكن لا يخلو : إمّا أن تقولوا بجواز السّحر ، أو لا تقولون به.
فإن لم تقولوا بجواز السّحر ؛ فقد خالفتم كتابكم ، وسنة نبيّكم وإجماع الأمة من المسلمين.
أما الكتاب : فقوله ـ تعالى : ـ (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ) الى قوله ـ تعالى : ـ (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) (٢) وهو صريح فى أن من السّحر ما يفرّق به بين المرء وزوجه ، وقوله ـ تعالى : ـ (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (٣).
__________________
(١) ساقط من أ.
(٢) سورة البقرة ٢ / ١٠٢.
(٣) سورة الأعراف ٧ / ١١٦.