والّذي ذهب إليه شيخنا (١) ، والقاضى (٢) ، والمحققون من أصحابه ؛ أن دلالة المعجزة على صدق الرسول ليست دلالة عقلية ، ولا سمعية (٣) :
وأما أنّها ليست دلالة عقلية : لأن ما دلّ عقلا فيدلّ لنفسه ويرتبط بمدلوله لذاته ، ولا يجوز تقديره غير دال ، وذلك كدلالة الفعل على الفاعل ، ودلالة الفعل المحكم على علم فاعله ، إلى غير ذلك من الأدلة العقلية. ودلالة المعجزة على صدق المدّعى للرّسالة ليست كذلك ، والا لما تصوّر وجودها الا وهى دالّة على صدق الرسول ؛ وليس كذلك. فإنه يجوز خرق العوائد عند تصرم الدنيا : كانفطار السموات ، وانتثار الكواكب ، وتدكدك الجبال ، وتبدّل الأرض غير الأرض. إلى غير ذلك مع عدم دلالتها على تصديق مدّعى النّبوة ؛ فإنّه لا إرسال ولا رسول فى ذلك الوقت ، وكذلك ظهور الكرامات على أيدى الأولياء على ما يأتى من غير دلالة.
وأمّا أنّها ليست سمعيّة : فلأن الدلالة السّمعية متوقّفة على صدق / / الرسول ، فلو توقّف صدق الرسول عليها ؛ لكان دورا ؛ بل دلالتها على صدقه غير خارج عن الدلالات الوضعية النازلة منزلة التصديق بالقول.
والدلالة الوضعيّة فى ذلك منقسمة : إلى ما يعلم بصريح المقال وإلى ما يعرف بقرائن الأحوال.
والأول كما لو قال القائل / للمخاطبين إذا رأيتمونى أفعل كذا على كذا عند ادّعاء زيد مثلا أنه رسول عنّى فاعلموا أنّنى أقصد بذلك تصديقه فى دعواه. فبتقدير تحقّق ذلك منه عند دعوى زيد أنه رسول عنه مع العلم بانتفاء الغفلة ، والذهول عنه فيما يفعله ، وانتفاء قرائن الهزل عنه ؛ فإن فعله مع المواضعة السابقة منه يتنزّل منزلة قوله صدق.
__________________
سريره ثلاث مرات ؛ ففعل ... الخ»
(١) هو الإمام الأشعرى راجع ترجمته فى هامش ل ٣ / أ. من الجزء الأول
(٢) هو القاضى أبو بكر الباقلانى راجع ترجمته فى هامش ل ٣ / أ. من الجزء الأول.
(٣) المقصود أنها دلالة عادية. وقد اختلف فى وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول عليهالسلام : فقال البعض بأنها عقلية. وقال البعض الآخر بأنها وضعية. وقد اختار أهل السنة كون الدلالة عادية : بمعنى أن ظهور المعجز يفيد علما بالصدق ، وأن كونه مفيدا له معلوم بالضرورة العادية.
/ / أول ل ٧١ / ب.