كقولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) (١).
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) أي : هو القادر على الإتيان بها دوني ودون أحد من خلقه (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها) أي : يدريكم أنها. قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو بكر عن عاصم ، وخلف في اختياره : بكسر الألف ، فعلى هذه القراءة يكون الخطاب بقوله «يشعركم» للمشركين ، ويكون تمام الكلام عند قوله تعالى : (وَما يُشْعِرُكُمْ) ويكون المعنى : وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت؟ وتكون «إنّها» مكسورة على الاستئناف والإخبار عن حالهم. وقال أبو عليّ : التقدير : وما يشعركم إيمانهم؟ فحذف المفعول. والمعنى : لو جاءت الآية التي اقترحوها ، لم يؤمنوا. فعلى هذا يكون الخطاب للمؤمنين. قال سيبويه : سألت الخليل عن قوله : «وما يشعركم إنّها» ؛ فقلت : ما منعها أن تكون كقولك : ما يدريك أنه لا يفعل؟ فقال : لا يحسن ذلك في هذا الموضع ؛ إنما قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ) ثمّ ابتدأ فأوجب ، فقال : «إنها إذا جاءت لا يؤمنون» ولو قال : (وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) ؛ كان ذلك عذرا لهم. وقرأ نافع ، وحفص عن عاصم ، وحمزة ، والكسائيّ : «أنها» بفتح الألف ؛ فعلى هذا ، المخاطب بقوله : (وَما يُشْعِرُكُمْ) رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ؛ ثم في معنى الكلام قولان : أحدهما : وما يدريكم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. وفي قراءة أبيّ : «لعلها إذا جاءت لا يؤمنون». والعرب تجعل «أن» بمعنى «لعل». يقولون : ائت السّوق أنّك تشتري لنا شيئا ، أي : لعلّك. قال عديّ بن زيد :
أعاذل ما يدريك أنّ منيّتي |
|
إلى ساعة في اليوم أو في ضحى غد |
أي : لعلّ منيّتي. وإلى هذا المعنى ذهب الخليل ، والفرّاء في توجيه هذه القراءة.
والثاني : أنّ المعنى : وما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون ، وتكون «لا» صلة ؛ كقوله تعالى : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) (٢) وقوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) (٣) ، ذكره الفرّاء وردّه الزّجّاج واختار الأول. والأكثرون على قراءة : «يؤمنون» بالياء ؛ منهم ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم ؛ وقرأ ابن عامر ، وحمزة : بالتاء ، على الخطاب للمشركين. قال أبو عليّ : من قرأ بالياء ، فلأنّ الذين أقسموا غيّب ، ومن قرأ بالتاء ، فهو انصراف من الغيبة إلى الخطاب.
(وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠))
قوله تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) التّقليب : تحويل الشيء عن وجهه. وفي معنى الكلام ، أربعة أقوال : أحدها : لو أتيناهم بآية كما سألوا ، لقلّبنا أفئدتهم وأبصارهم عن الإيمان بها ، وحلنا بينهم وبين الهدى ، فلم يؤمنوا كما لم يؤمنوا بما رأوا قبلها ، عقوبة لهم على ذلك. وإلى هذا المعنى ذهب ابن عباس ، ومجاهد ، وابن زيد. والثاني : أنه جواب لسؤالهم في الآخرة الرّجوع إلى الدّنيا ؛ فالمعنى : لو ردّوا لحلنا بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أول مرّة وهم في الدنيا ، روى هذا المعنى ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث : ونقلب أفئدة هؤلاء وأبصارهم عن الإيمان بالآيات كما لم يؤمن أوائلهم
__________________
(١) سورة الإسراء : ٩٠.
(٢) سورة الأعراف : ١٢.
(٣) سورة الأنبياء : ٩٥.