في قباب حول دسكرة |
|
حولها الزّيتون قد ينعا (١) |
وبيّن الله تعالى لهم بتصريف ما خلق ، ونقله من حال إلى حال لا يقدر عليه الخلق ، أنه كذلك يبعثهم.
قوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) قال ابن عباس : يصدّقون أنّ الذي أخرج هذا النبات قادر على أن يحيي الموتى. وقال مقاتل : يصدّقون بالتّوحيد.
(وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠))
قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) جعلوا ، بمعنى وصفوا. قال الزّجّاج : نصب «الجنّ» من وجهين : أحدهما : أن يكون مفعولا ، فيكون المعنى : وجعلوا لله الجنّ شركاء ؛ ويكون الجنّ مفعولا ثانيا ، كقوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (٢). والثاني : أن يكون الجنّ بدلا من شركاء ، ومفسّرا للشّركاء. وقرأ أبو المتوكّل ، وأبو عمران ، وأبو حياة ، والجحدريّ : «شركاء الجنّ» برفع النون ؛ وقرأ ابن عبلة ، ومعاذ القارئ : «الجنّ» بخفض النون. وفي معنى جعلهم الجنّ شركاء ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم أطاعوا الشّياطين في عبادة الأوثان ، فجعلوهم شركاء لله ، قاله الحسن ، والزّجّاج. والثاني : قالوا : إنّ الملائكة بنات الله فهم شركاؤه ، كقوله تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) فسمّى الملائكة جنّا لاجتنانهم ، قاله قتادة والسّدّيّ ، وابن زيد. والثالث : أنّ الزّنادقة قالوا : الله خالق النّور والماء والدّواب والأنعام ، وإبليس خالق الظّلمة والسّباع والحيّات والعقارب ، وفيهم نزلت هذه الآية. قاله ابن السّائب (٣).
قوله تعالى : (وَخَلَقَهُمْ) في الكناية قولان : أحدهما : أنها ترجع إلى الجاعلين له الشركاء ، فيكون المعنى : وجعلوا للذي خلقهم شركاء لا يخلقون. والثاني : أنها ترجع إلى الجنّ ، فيكون المعنى : والله خلق الجنّ ، فكيف يكون الشّريك لله محدثا؟ ذكرهما الزّجّاج.
قوله تعالى : (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ) وقرأ نافع : «وخرّقوا» بالتشديد ، للمبالغة والتّكثير ، لأن المشركين ادّعوا الملائكة بنات الله ، والنّصارى المسيح. واليهود عزيرا. وقرأ ابن عباس ، وأبو رجاء ، وأبو الجوزاء : «وحرّفوا» بحاء غير معجمة وبتشديد الراء وبالفاء. وقرأ ابن السّميفع ، والجحدريّ : «وخارقوا» بألف وخاء معجمة قال السّدّيّ : أما «البنون» ، فقول اليهود ، عزير ابن الله ، وقول النّصارى : المسيح ابن الله ، وأما «البنات» فقول مشركي العرب : الملائكة بنات الله. قال الفرّاء : خرّقوا ، واخترقوا ، وخلقوا ، واختلقوا ، بمعنى افتروا. وقال أبو عبيدة : خرقوا : جعلوا. قال الزّجّاج : ومعنى :
__________________
(١) البيت منسوب إما للأحوص أو إلى يزيد بن معاوية. وهو في «اللسان» دسكر و «مجاز القرآن» ١ / ٢٠٢.
الدسكرة : بناء كالقصر. كانت الأعاجم تتخذه للشرب والملاهي.
(٢) سورة الصافات : ١٥٨.
(٣) عزاه المصنف للكلبي ، وهو ساقط العدالة ، يضع الحديث ، فخبره لا شيء.
ـ وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٤٤٣ عن الكلبي بدون إسناد.