فبالفتح ، لا غير. ومعناه على فتح القاف : «ولكم مستودع» وعلى كسرها «ومنكم مستودع». وللمفسّرين في معنى المستقرّ والمستودع تسعة أقوال (١) : أحدها : فمستقرّ في الأرحام ، ومستودع في الأصلاب ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وعطاء ، والضّحّاك ، والنّخعيّ ، وقتادة ، والسّدّيّ ، وابن زيد. والثاني : المستقرّ في الأرحام ، والمستودع في القبر ، قاله ابن مسعود. والثالث : المستقر في الأرض ، والمستودع في الأصلاب ، رواه ابن جبير عن ابن عباس. والرابع : المستقرّ والمستودع في الرّحم ، رواه قابوس عن أبيه عن ابن عباس. والخامس : المستقرّ حيث يأوي ، والمستودع حيث يموت ، رواه مقسم عن ابن عباس. والسادس : المستقر في الدنيا ؛ والمستودع في القبر. والسابع : المستقرّ في القبر ، والمستودع في الدّنيا ، وهو عكس الذي قبله ، رويا عن الحسن. والثامن : المستقرّ في الدّنيا ، والمستودع عند الله تعالى ، قاله مجاهد. والتاسع : المستقرّ في الأصلاب ، والمستودع في الأرحام ، قاله ابن بحر ، وهو عكس الأول.
(وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩))
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) يعني المطر (فَأَخْرَجْنا بِهِ) أي : بالمطر. وفي قوله تعالى : (نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) قولان : أحدهما : نبات كلّ شيء من الثّمار ، لأنّ كل ما ينبت ، فنباته بالماء. والثاني : رزق كلّ شيء وغذاؤه. وفي قوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا مِنْهُ) قولان : أحدهما : من الماء ، أي : به. والثاني : من النّبات. قال الزّجّاج : الخضر بمعنى الأخضر ؛ يقال : اخضرّ ، فهو أخضر ، وخضر ، مثل اعورّ ، فهو أعور ، وعور.
قوله تعالى : (نُخْرِجُ مِنْهُ) أي : من الخضر (حَبًّا مُتَراكِباً) كالسّنبل والشّعير. والمتراكب : الذي بعضه فوق بعض. قوله تعالى : (وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ) وروى الخفّاف عن أبي عمرو : «قنوان» بضم القاف ؛ وروى هارون عنه بفتحها. قال الفرّاء : معناه : ومن النّخل ما قنوانه دانية ؛ وأهل الحجاز يقولون : «قنوان» بكسر القاف ؛ وقيس يضمّونها ؛ وضبّة ، وتميم يقولون : «قنيان» أنشدني المفضّل عنهم :
__________________
(١) قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» ٢ / ٢٠٢ : «فمستقر» أي في الأرحام و «مستودع» أي في الأصلاب ؛ وهذا القول هو الأظهر والله أعلم ا. ه. وقال الطبري في «تفسيره» ٥ / ٢٨٦ : وأولى التأويلات في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله جل ثناؤه عمّ بقوله : (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) كل خلقه الذي أنشأ من نفس واحدة ، فمستقرا ومستودعا ولم يخص من ذلك معنى دون معنى. ولا شك أن في بني آدام مستقرا في الرحم ، ومستودعا في الصلب ، ومنهم من هو مستقر على ظهر الأرض أو بطنها ، ومستودع في أصلاب الرجال ، ومنهم مستقر في القبر ، مستودع على ظهر الأرض. فكلّ «مستقر» أو «مستودع». بمعنى من هذه المعاني ، فداخل في عموم قوله (فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) ومراد به ، إلا أن يأتي خبر يجب التسليم له بأنه معنى به معنى دون معنى ، وخاص دون عام. ا. ه.