يكون في أوّل الصفّ لئلّا يراها ، ويتأخّر بعضهم حتى يكون في آخر صفّ ، فإذا ركع نظر من تحت إبطه ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس.
(٨٤٦) والثاني : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم حرّض على الصّفّ الأول ، فازدحموا عليه ، وقال قوم بيوتهم قاصية عن المدينة : لنبيعنّ دورنا ، ولنشترينّ دورا قريبة من المسجد حتى ندرك الصّفّ المتقدّم ، فنزلت هذه الآية ؛ ومعناها : إنّما تجزون على النّيات ، فاطمأنّوا وسكنوا ، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
وللمفسّرين في معنى المستقدمين والمستأخرين ثمانية أقوال (١) : أحدها : التّقدّم في الصّفّ الأول ، والتّأخّر عنه ، وهذا على القولين المذكورين في سبب نزولها ، فعلى الأول : هو التّقدّم للتّقوى ، والتّأخّر للخيانة بالنّظر ، وعلى الثاني : هو التّقدّم لطلب الفضيلة ، والتّأخّر للعذر. والثاني : أنّ المستقدمين : من مات ، والمستأخرين : من هو حيّ لم يمت ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وخصيف عن مجاهد ، وبه قال عطاء ، والضّحّاك ، والقرظيّ. والثالث : أنّ المستقدمين : من خرج من الخلق فكان. والمستأخرين : الذين في أصلاب الرجال ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة. والرابع : أنّ المستقدمين : من مضى من الأمم ، والمستأخرين : أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. والخامس : أنّ المستقدمين : المتقدّمون في الخير ، والمستأخرين ، المثبّطون عنه ، قاله الحسن وقتادة. والسادس : أنّ المستقدمين في صفوف القتال ، والمستأخرين عنها ، قاله الضّحّاك. والسابع : أنّ المستقدمين : من قتل في الجهاد ، والمستأخرين : من لم يقتل ، قاله القرظيّ. والثامن : أنّ المستقدمين : أول الخلق ، والمستأخرين : آخر الخلق ، قاله الشّعبيّ.
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) يعني آدم (مِنْ صَلْصالٍ) وفيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الطّين اليابس الذي لم تصبه نار ، فإذا نقرته صلّ ، فسمعت له صلصلة ، قاله ابن عباس وقتادة وأبو عبيدة وابن قتيبة. والثاني : أنه الطين المنتن ، قاله مجاهد والكسائيّ وأبو عبيد. ويقال : صلّ اللحم : إذا تغيّرت رائحته. والثالث : أنه طين خلط برمل ، فصار له صوت عند نقره ، قاله الفرّاء.
فأمّا الحمأ ، فقال أبو عبيدة : هو جمع حمأة ، وهو الطّين المتغيّر. وقال ابن الأنباري : لا خلاف أنّ الحمأ : الطّين الأسود المتغيّر الرّيح ، وروى السّدّيّ عن أشياخه قال : بلّ التّراب حتى صار طينا. ثم ترك حتى أنتن وتغيّر.
وفي المسنون أربعة أقوال : أحدها : أنه المنتن أيضا ، رواه مجاهد عن ابن عباس ، وبه قال
____________________________________
(٨٤٦) لا أصل له. عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس ، ورواية أبي صالح هو الكلبي ، وتقدم أنهما رويا عن ابن عباس تفسيرا مصنوعا ، وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٥٥٣ عن الربيع بن أنس بدون إسناد.
__________________
(١) رجّح الطبري رحمهالله القول الثاني كما في «تفسيره» ٧ / ٥١٠ ، وهو الصواب.