(قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : بخير الدنيا والآخرة. والثاني : بالجمع بعد الفرقة. والثالث : بالسلامة ثم بالكرامة.
قوله تعالى : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) قرأ ابن كثير في رواية قنبل : «من يتقي ويصبر» بياء في الوصل والوقف ، وقرأ الباقون بغير ياء في الحالين. وفي معنى الكلام أربعة أقوال : أحدها : من يتّق الزّنى ويصبر على البلاء. والثاني : من يتّق الزّنى ويصبر على العزوبة. والثالث : من يتّق الله ويصبر على المصائب ، رويت هذه الأقوال عن ابن عباس. والرابع : من يتّق معصية الله ويصبر على السجن ، قاله مجاهد.
قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي : أجر من كان هذا حاله.
قوله تعالى : (لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) أي : اختارك وفضّلك. وبما ذا عنوا أنه فضّله فيه؟ أربعة أقوال : أحدها : بالملك ، قاله الضّحّاك عن ابن عباس. والثاني : بالصبر ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثالث : بالحلم والصّفح عنا ، ذكره أبو سليمان الدّمشقي. والرابع : بالعلم والعقل والحسن وسائر الفضائل التي أعطاه.
قوله تعالى : (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) قال ابن عباس : لمذنبين آثمين في أمرك. قال ابن الأنباري : ولهذا اختير «خاطئين» على «مخطئين» ، وإن كان «أخطأ» على ألسن الناس أكثر من «خطئ يخطأ» لأنّ معنى خطئ يخطأ ، فهو خاطئ : آثم ، ومعنى أخطأ يخطئ ، فهو مخطئ : ترك الصواب ولم يأثم ، قال الشاعر :
عبادك يخطئون وأنت ربّ |
|
بكفّيك المنايا والحتوم (١) |
أراد : يأثمون. قال : ويجوز أن يكون آثر «خاطئين» على «مخطئين» لموافقة رؤوس الآيات ، لأنّ «خاطئين» أشبه بما قبلها. وذكر الفرّاء في معنى «إن» قولين :
أحدهما : وقد كنّا خاطئين. والثاني : وما كنّا إلّا خاطئين.
قوله تعالى : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) قال أبو صالح عن ابن عباس : لا أعيّركم بعد اليوم بهذا أبدا. قال ابن الأنباري : إنما أشار إلى ذلك اليوم ، لأنه أول أوقات العفو ، وسبيل العافي في مثله أن لا يراجع عقوبة. وقال ثعلب : قد ثرّب فلان على فلان : إذا عدّد عليه ذنوبه. وقال ابن قتيبة : لا تعيير عليكم بعد هذا اليوم بما صنعتم ، وأصل التّثريب : الإفساد ، يقال : ثرّب علينا : إذا أفسد. وفي الحديث :
(٨٢٠) «إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحدّ ، ولا يثرب» أي : لا يعيّرها بالزّنى. قال ابن عباس :
____________________________________
(٨٢٠) صحيح. أخرجه البخاري ٢١٥٢ ـ ٢٢٣٤ ـ ٦٨٣٩ ، ومسلم ٣٠ ـ ٣١ ـ ١٧٠٣ وأبو داود ٤٤٧٠ و ٤٤٧١ ، من طريق سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه. ولفظ الحديث بتمامه في البخاري : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إذا زنت الأمة فتبين زناها ، فليجلدها ولا يثرّب ، ثم إن زنت فليجلدها ولا يثرّب ، ثم إن زنت الثالثة ، فليبعها ولو بحبل من شعر» وسيأتي ذكره في سورة النور.
__________________
(١) ذكره ابن منظور في «اللسان» وقال : الحتم : القضاء ، وجمعه حتوم.