خروجكم بأخيكم يجلب نفعا ، فجرّ ضررا ، قاله ابن الأنباري. والثالث : سوّلت لكم أنه سرق ، وما سرق.
قوله تعالى : (عَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً) يعني : يوسف وابن يامين وأخاهما المقيم بمصر. وقال مقاتل : أقام بمصر يهوذا وشمعون ، فأراد بقوله : «أن يأتيني بهم» يعني : الأربعة.
قوله تعالى : (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ) أي : بشدّة حزني ، وقيل : بمكانهم ، (الْحَكِيمُ) فيما حكم عليّ.
(وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (٨٤))
قوله تعالى : (وَتَوَلَّى عَنْهُمْ) أي : أعرض عن ولده أن يطيل معهم الخطب ، وانفرد بحزنه ، وهيّج عليه ذكر يوسف (وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ) قال ابن عباس : يا طول حزني على يوسف. قال ابن قتيبة : الأسف : أشدّ الحسرة. قال سعيد بن جبير : لقد أعطيت هذه الأمّة عند المصيبة ما لم يعط الأنبياء قبلهم (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) ، ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب ، إذ يقول : «يا أسفى على يوسف». فإن قيل : هذا لفظ الشّكوى ، فأين الصّبر؟ فالجواب من وجهين : أحدهما : أنه شكا إلى الله تعالى ، لا منه. والثاني : أنه أراد به الدّعاء ، فالمعنى : يا ربّ ارحم أسفى على يوسف. وذكر ابن الأنباري عن بعض اللغويين أنه قال : نداء يعقوب الأسف في اللفظ من المجاز الذي يعنى به غير المظهر في اللفظ ، وتلخيصه : يا إلهي ارحم أسفي ، أو أنت راء أسفى ، وهذا أسفى ، فنادى الأسف في اللفظ ، والمنادى في المعنى سواه ، كما قال : «يا حسرتنا» والمعنى : يا هؤلاء تنبّهوا على حسرتنا ، قال : والحزن ونفور النّفس من المكروه والبلاء لا عيب فيه ولا مأثم إذا لم ينطق اللسان بكلام مؤثّم ولم يشك إلّا إلى ربّه ، فلمّا كان قوله : «يا أسفى» شكوى إلى ربّه ، كان غير ملوم. وقد روي عن الحسن أنّ أخاه مات ، فجزع الحسن جزعا شديدا ، فعوتب في ذلك ، فقال : ما وجدت الله عاب على يعقوب الحزن حيث قال : «يا أسفى على يوسف». قوله تعالى : (وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ) أي : انقلبت إلى حال البياض. وهل ذهب بصره ، أم لا؟ فيه قولان : أحدهما : أنه ذهب بصره ، قاله مجاهد. والثاني : ضعف بصره لبياض تغشّاه من كثرة البكاء ، ذكره الماوردي. وقال مقاتل : لم يبصر بعينيه ستّ سنين. قال ابن عباس : وقوله : «من الحزن» أي : من البكاء ، يريد أنّ عينيه ابيضّتا لكثرة بكائه ، فلما كان الحزن سببا للبكاء ، سمّي البكاء حزنا. وقال ثابت البنانيّ : دخل جبريل على يوسف ، فقال : أيها الملك الكريم على ربّه ، هل لك علم بيعقوب؟ قال : نعم. قال : ما فعل؟ قال : ابيضّت عيناه ، قال : ما بلغ حزنه؟ قال : حزن سبعين ثكلى ، قال : فهل له على ذلك من أجر؟ قال : أجر مائة شهيد. وقال الحسن البصريّ : ما فارق يعقوب الحزن ثمانين سنة ، وما جفّت عينه ، وما أحد يومئذ أكرم على الله منه حين ذهب بصره. قوله تعالى : (فَهُوَ كَظِيمٌ) الكظيم بمعنى الكاظم ، وهو الممسك على حزنه فلا يظهره ، قاله ابن قتيبة ، وقد شرحنا هذا عند قوله : (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) (١).
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٣٤.