خاف أن يكون قد زكّى نفسه ، فقال : «وما أبرّئ نفسي» ، قاله الحسن. والرابع : أنه لمّا قاله ، قال له الملك الذي معه : اذكر ما هممت به ، فقال : «وما أبرّئ نفسي» ، قاله قتادة. والخامس : أنه لمّا قاله ، قالت امرأة العزيز : ولا يوم حللت سراويلك؟ فقال : «وما أبرّئ نفسي» ، قاله السّدّيّ (١).
والذين قالوا : هذا قول امرأة العزيز ، فالمعنى : وما أبرّئ نفسي من سوء الظّنّ بيوسف ، لأنه قد خطر لي.
قوله تعالى : (لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) قرأ ابن عامر ، وأهل الكوفة ، ويعقوب إلّا رويسا : «بالسوء إلا» بتحقيق الهمزتين. وقرأ أبو عمرو ، وابن شنبوذ عن قنبل بتحقيق الثانية وحذف الأولى. وروى نظيف عن قنبل بتحقيق الأولى وقلب الثانية ياء. وقرأ أبو جعفر ، وورش ، ورويس بتحقيق الأولى وتليين الثانية بين بين ، مثل : «السّوء علّا». وروى ابن فليح بتحقيق الثانية وقلب الأولى واوا ، وأدغمها في الواو قبلها ، فتصير واوا مكسورة مشدّدة قبل همزة «إلا».
قوله تعالى : (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) قال ابن الأنباري : قال اللغويون : هذا استثناء منقطع ، والمعنى : إلا أنّ رحمة ربّي عليها المعتمد. قال أبو صالح عن ابن عباس : المعنى : إلّا من عصم ربي وقيل «ما» بمعنى «من». قال الماوردي : ومن قال : هو من قول امرأة العزيز ، فالمعنى : إلّا من رحم ربّي في قهره لشهوته ، أو في نزعها عنه. ومن قال : هو قول العزيز ، فالمعنى : إلّا من رحم ربّي بأن يكفيه سوء الظّنّ ، أو يثبّته ، فلا يعجل. قال ابن الأنباري : والقول بأنّ هذا قول يوسف أصحّ لوجهين : أحدهما : لأنّ العلماء عليه. والثاني : لأنّ المرأة كانت عابدة وثن ، وما تضمّنته الآية أليق أن يكون قول يوسف من قول من لا يعرف الله تعالى.
وقال المفسّرون : فلمّا تبيّن الملك عذر يوسف وعلم أمانته ، قال : (ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) أي : أجعله خالصا لي ، لا يشركني فيه أحد.
فإن قيل : فقد رويتم في بعض ما مضى أنّ يوسف قال في مجلس الملك : «ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب» ، فكيف قال الملك : «ائتوني به» وهو حاضر عنده؟!
فالجواب : أنّ أرباب هذا القول يقولون : أمر الملك بإحضاره ليقلّده الأعمال في غير المجلس الذي استحضره فيه لتعبير الرّؤيا. قال وهب : لمّا دخل يوسف على الملك ، وكان الملك يتكلّم بسبعين لسانا ، كان كلّما كلّمه بلسان ، أجابه يوسف بذلك اللسان ، فعجب الملك ، وكان يوسف يومئذ ابن ثلاثين سنة ، فقال إني أحب أن أسمع رؤياي منك شفاها ، فذكرها له ، قال : فما ترى أيها الصّدّيق؟ قال : أرى أن تزرع زرعا كثيرا في هذه السنين المخصبة ، وتجمع الطعام ، فيأتيك الناس فيمتارون ، وتجمع عندك من الكنوز ما لم يجتمع لأحد ، فقال الملك : ومن لي بهذا؟ فقال يوسف : «اجعلني على خزائن الأرض». قال ابن عباس : ويريد بقوله : (مَكِينٌ أَمِينٌ) أي : قد مكّنتك في ملكي وائتمنتك فيه. وقال مقاتل : المكين : الوجيه ، والأمين : الحافظ.
__________________
(١) هذه الأقوال جميعا باطلة لا تليق بنبي الله يوسف عليهالسلام ، كيف وقد أثنى عليه الله تبارك وتعالى حيث قال (إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ)؟