بشر» بالرفع. وقرأ أبيّ بن كعب ، وأبو الجوزاء ، وأبو السّوّار : «ما هذا بشرى» بكسر الباء والشين مقصورا منوّنا. قال الفرّاء : أي : ما هذا بمشترى. وقرأ ابن مسعود : «بشراء» بالمدّ والهمز مخفوضا منوّنا.
قوله تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ) قرأ أبيّ ، وأبو رزين ، وعكرمة ، وأبو حياة ، والجحدريّ : «ملك» بكسر اللام.
قوله تعالى : (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) قال المفسّرون : لمّا ذهلت عقولهنّ فقطّعن أيديهنّ ، قالت لهنّ ذلك. فإن قيل : كيف أشارت إليه وهو حاضر بقولها : «فذلكنّ»؟ فعنه جوابان ذكرهما ابن الأنباري : أحدهما : أنها أشارت ب «ذلكنّ» إلى يوسف بعد انصرافه من المجلس. والثاني : أنّ في الكلام إضمار «هذا» تقديره : فهذا ذلكنّ. ومعنى «لمتنّني فيه» أي : في حبّه. ثم أقرّت عندهنّ ، فقالت : (وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ) أي : امتنع.
قوله تعالى : (وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ) قال الزّجّاج : القراءة الجيدة تخفيف «وليكونن» والوقف عليها بالألف ، لأنّ النون الخفيفة تبدل منهما في الوقف الألف ، تقول : اضربا زيدا ، وإذا وقفت قلت : اضربا. وقد قرئت «وليكوننّ» بتشديد النون ، وأكرهها ، لخلاف المصحف ، لأنّ الشديدة لا يبدل منها شيء. والصّاغرون : المذلّون.
(قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤))
قوله تعالى : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ) قال وهب بن منبّه : لمّا قالت : «فذلكنّ الذي لمتنّني فيه» قلن : لا لوم عليك ، قالت : فاطلبن إلى يوسف أن يسعفني بحاجتي ، فقلن : يا يوسف افعل ، فقالت : لئن لم يفعل لأخلّدنّه السّجن ، فعند ذلك قال : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ). وقرأ يعقوب : «السّجن» بفتح السين ها هنا فحسب. قال الزّجّاج : من كسر سين «السجن» فعلى اسم المكان ، فيكون المعنى : نزول السّجن أحبّ إليّ من ركوب المعصية ، ومن فتح ، فعلى المصدر ، المعنى : أن أسجن أحبّ إليّ. (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَ) أي : إلّا تعصمني (أَصْبُ إِلَيْهِنَ) أي : أمل إليهنّ. يقال : صبا إلى اللهو يصبو صبوا وصبوّا وصباء : إذا مال إليه. وقال ابن الأنباري : ومعنى هذا الكلام : اللهمّ اصرف عنّي كيدهنّ ، ولذلك قال : (فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ).
قال : فإن قيل : إنما كادته امرأة العزيز وحدها ، فكيف قال : «كيدهنّ»؟ فعنه ثلاثة أجوبة :
أحدها : أنّ العرب توقع الجمع على الواحد ، فيقول قائلهم : خرجت إلى البصرة في السّفن ، وهو لم يخرج إلّا في سفينة واحدة. والثاني : أنّ المكنيّ عنه امرأة العزيز والنّسوة اللاتي عاضدنها على أمرها. والثالث : أنه عنى امرأة العزيز وغيرها من نساء العالمين اللاتي لهنّ مثل كيدها.
(ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥))
قوله تعالى : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ) في المراد بالآيات ثلاثة أقوال :
أحدها : أنها شقّ القميص ، وقضاء ابن عمّها عليها ، رواه أبو صالح عن ابن عباس.