وعيبهنّ لها ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والسّدّيّ ، وابن قتيبة. قال الزّجّاج : وإنما سمّي هذا القول مكرا ، لأنها كانت أطلعتهنّ على أمرها ، واستكتمتهنّ ، فمكرن وأفشين سرّها. والثاني : أنه مكر حقيقة ، وإنما قلن ذلك مكرا بها لتريهنّ يوسف ، قاله ابن إسحاق.
قوله تعالى : (وَأَعْتَدَتْ) قال الزّجّاج : أفعلت من العتاد ، وكلّ ما اتّخذته عدّة لشيء فهو عتاد ، والعتاد : الشيء الثابت اللازم. فأمّا المتّكأ ، ففيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه المجلس ؛ فالمعنى : هيّأت لهنّ مجلسا ، قاله الضّحّاك عن ابن عباس. والثاني : أنه الوسائد اللائي يتّكئن عليها ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال الزّجّاج : المتّكأ : ما يتّكأ عليه لطعام أو شراب أو حديث. والثالث : أنه الطعام ، قاله الحسن ، ومجاهد ، وقتادة. قال ابن قتيبة : يقال : اتّكأنا عند فلان : إذا طعمنا ، قال جميل بن معمر :
فظللنا في نعمة واتّكأنا |
|
وشربنا الحلال من قلله (١) |
والأصل في هذا أنّ من دعوته ليطعم ، أعددت له التّكأة للمقام والطّمأنينة ، فسمّي الطعام متكأ على الاستعارة. قال الأزهريّ : إنما قيل للطعام : متّكأ ، لأنّ القوم إذا قعدوا على الطعام اتّكؤوا ، ونهيت هذه الأمة عن ذلك. وقرأ مجاهد «متكا» بإسكان التاء خفيفة ، وفيه أربعة أقوال :
أحدها : أنه الأترج ، قاله ابن عباس ومجاهد ويحيى بن يعمر في آخرين ، ومنه قول الشاعر :
وترى المتك بيننا مستعارا (٢)
يريد : الأترجّ. والثاني : أنه الطعام أيضا ، قاله عكرمة. والثالث : كلّ شيء يحزّ بالسّكاكين ، قاله الضّحّاك. والرابع : أنه الزّماورد ، روي عن الضّحّاك أيضا.
وقد روي عن جماعة أنهم فسّروا المتّكأ بما فسّروا به المتك ، فروي عن ابن جريج أنه قال : المتّكأ : الأترجّ ، وكلّ ما يحزّ بالسّكاكين. وعن الضّحّاك قال : المتّكأ : كلّ ما يحزّ بالسّكاكين. وفرّق آخرون بين القراءتين ، فقال مجاهد : من قرأ «متكأ» بالتّثقيل ، فهو الطعام ، ومن قرأ بالتّخفيف ، فهو الأترجّ. قال ابن قتيبة : من قرأ «متكا» فإنه يريد الأترجّ ، ويقال : الزّماورد. وأيا ما كان ، فإني لا أحسبه سمّي متكا إلّا بالقطع ، كأنه مأخوذ من البتك ، فأبدلت الميم منه باء ، كما يقال : سمد رأسه وسبده : إذا استأصله ، وشر لازم ، ولازب ، والميم تبدل من الباء كثيرا ، لقرب مخرجيها.
قوله تعالى : (وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً) إنما فعلت ذلك ، لأنّ الطعام الذي قدّمت لهنّ يحتاج إلى السّكاكين. وقيل : كان مقصودها افتضاحهنّ بتقطيع أيديهنّ كما فضحنها. قال وهب بن منبّه : ناولت كلّ واحدة منهنّ أترجّة وسكينا ، وقالت لهنّ : لا تقطعن ولا تأكلن حتى أعلمكنّ ، ثم قالت ليوسف : اخرج عليهنّ. قال الزّجّاج : إن شئت ضممت التاء من قوله : «وقالت» ، وإن شئت كسرت ، والكسر الأصل لسكون التاء والخاء ، ومن ضمّ التاء ، فلثقل الضمة بعد الكسرة. ولم يمكنه أن لا يخرج ، لأنه بمنزلة العبد لها. وذكر بعض أهل العلم أنها إنما قالت : «اخرج» وأضمرت في نفسها «عليهنّ» ، فأخبر الحقّ عمّا في النّفس كأنّ اللسان قد نطق به ، ومثله : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً
__________________
(١) في «اللسان» مادة «قلل» القلّة : الحبّ العظيم ، وقيل : الجرة العظيمة ، وقيل : الجرة عامة وقيل : الكوز الصغير ، والجمع قلل وقلال ، وقيل : هو إناء للعرب كالجرة الكبيرة.
(٢) هو عجز بيت وصدره : لنشرب الإثم بالصّواع جهارا. انظر «تفسير القرطبي» ٩ / ١٥٣.