الحقّ وأهل الباطل ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس ؛ فيكون المعنى : إنّ هؤلاء يخالفون هؤلاء. والثاني : أنهم أهل الأهواء لا يزالون مختلفين ، رواه عكرمة عن ابن عباس.
قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) قال ابن عباس : هم أهل الحقّ. وقال الحسن : أهل رحمة الله لا يختلفون. قوله تعالى : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) في المشار إليه بذلك أربعة أقوال : أحدها : أنه يرجع إلى ما هم عليه. قال ابن عباس : خلقهم فريقين ، فريقا يرحم فلا يختلف ، وفريقا لا يرحم يختلف. والثاني : أنه يرجع إلى الشّقاء والسّعادة ، قاله ابن عباس أيضا ، واختاره الزّجّاج ، قال : لأنّ اختلافهم مؤدّيهم إلى سعادة وشقاوة. قال ابن جرير : واللام في قوله : «ولذلك» بمعنى «على». والثالث : أنه يرجع إلى الاختلاف ، رواه مبارك عن الحسن. والرابع : أنه يرجع إلى الرّحمة ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال عكرمة ، ومجاهد ، والضّحّاك ، وقتادة ؛ فعلى هذا يكون المعنى : ولرحمته خلق الذين لا يختلفون في دينهم (١).
قوله تعالى : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) قال ابن عباس : وجب قول ربّك : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ) من كفّار الجنّة ، وكفّار الناس.
(وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠))
قوله تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُ) قال الزّجّاج : «كلّا» منصوب ب «نقصّ» ، المعنى : كلّ الذي تحتاج إليه من أنباء الرّسل نقصّ عليك. و «ما» منصوبة بدلا من كلّ ، المعنى : نقصّ عليك ما نثبّت به فؤادك ؛ ومعنى تثبيت الفؤاد : تسكين القلب ها هنا ، ليس للشّكّ ، ولكن كلّما كان البرهان والدّلالة أكثر ، كان القلب أثبت.
قوله تعالى : (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) في المشار إليه ب «هذه» أربعة أقوال : أحدها : أنها السّورة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير وأبو العالية ، ورواه شيبان عن قتادة. والثاني : أنها الدّنيا ، فالمعنى : وجاءك في هذه الدّنيا ، رواه سعيد عن قتادة ؛ وعن الحسن كالقولين. والثالث : أنها الأقاصيص المذكورة. والرابع : أنها هذه الآية بعينها ، ذكر القولين ابن الأنباري (٢). وفي المراد بالحقّ ها هنا ثلاثة أقوال : أحدها : أنها البيان. والثاني : صدق القصص والأنباء. والثالث : النّبوّة.
فإن قيل : أليس قد جاءه الحقّ في كلّ القرآن ، فلم خصّ هذه السّورة؟
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله ٧ / ١٤١ : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : «وللاختلاف بالشقاء والسعادة خلقهم» ، لأن الله جلّ ذكره ذكر صنفين من خلقه : أحدهما أهل اختلاف وباطل والآخر أهل حق ، ثم عقّب ذلك بقوله : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) ، فعمّ بقوله : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) ، صفة الصنفين ، فأخبر عن كل فريق منهما أنه ميسر لما خلق له.
(٢) قال ابن كثير رحمهالله ٢ / ٥٧٤ : والصحيح في هذه السورة المشتملة على قصص الأنبياء وكيف نجاهم الله والمؤمنين بهم ، وأهلك الكافرين ، جاءك فيها قصص حق ، ونبأ صدق وموعظة يرتدع بها الكافرون ، وذكرى يتوقّر بها المؤمنون. وقال الطبري رحمهالله ٧ / ١٤٤ : وأولى التأويلين بالصواب في تأويل ذلك قول من قال : «وجاءك في هذه السورة الحق» لإجماع الحجة من أهل التأويل على أن ذلك تأويله.