وفي قوله : (مَنْضُودٍ) ثلاثة أقوال : أحدها : يتبع بعضه بعضا ، قاله ابن عباس. والثاني : أنه مصفوف ، قاله عكرمة ، وقتادة. والثالث : نضّد بعضه على بعض ، لأنه طين جمع فجعل حجارة ، قاله الرّبيع بن أنس (١).
قوله تعالى : (مُسَوَّمَةً) قاله الزّجّاج : أي معلّمة ، أخذ من السّومة ، وهي العلامة. وفي علامتها ستة أقوال : أحدها : بياض في حمرة ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس ، وبه قال الحسن.
والثاني : أنها كانت مختومة ، فالحجر أبيض وفيه نقطة سوداء ، أو أسود وفيه نقطة بيضاء ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. والثالث : أنها المخطّطة بالسّواد والحمرة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والرابع : عليها نضح من حمرة فيها خطوط حمر على هيئة الجزع ، قاله عكرمة ، وقتادة. والخامس : أنها كانت معلّمة بعلامة يعرف بها أنها ليست من حجارة الدنيا ، قاله ابن جريج. والسادس : أنه كان على كلّ حجر منها اسم صاحبه ، قاله الرّبيع. وحكي عن بعض من رأى تلك الحجارة أنه قال : كانت مثل رأس الإبل ، ومثل مبارك الإبل ، ومثل قبضة الرّجل.
وفي قوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّكَ) أربعة أقوال : أحدها : أنّ المعنى : جاءت من عند ربّك ، قاله ابن عباس ، ومقاتل. والثاني : عند ربّك معدّة ، قاله أبو بكر الهذليّ. والثالث : أنّ المعنى : هذا التّسويم لزم هذه الحجارة عند الله إيذانا بنفاذ قدرته وشدّة عذابه ، قاله ابن الأنباري. والرابع : أنّ معنى قوله تعالى : «عند ربّك» : في خزائنه التي لا يتصرّف في شيء منها إلّا بإذنه.
قوله تعالى : (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) في المراد بالظّالمين ها هنا ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ المراد بالظالمين هاهنا : كفّار قريش ، خوّفهم الله بها ، قاله الأكثرون. والثاني : أنه عامّ في كلّ ظالم ؛ قال قتادة : والله ما أجار الله منها ظالما بعد قوم لوط ، فاتّقوا الله وكونوا منه على حذر. والثالث : أنهم قوم لوط ، فالمعنى : وما هي من الظالمين ، أي : من قوم لوط ببعيد ، والمعنى : لم تكن لتخطئهم ، قاله الفرّاء.
(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥))
قوله تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ) قد فسّرناه في سورة الأعراف (٢). قوله تعالى : (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) أي : لا تطفّفوا ؛ وكانوا يطفّفون مع كفرهم. قوله تعالى : (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) فيه قولان :
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله ٧ / ٩٣ : والصواب من القول في ذلك ما قاله الربيع بن أنس ، وذلك أن قوله : (مَنْضُودٍ) من نعت (سِجِّيلٍ) ، لا من نعت ال (حِجارَةً) ، وإنما أمطر القوم حجارة من طين صفة لذلك الطين أنه نضد بعضه إلى بعض ، فصيّر حجارة ، ولم يمطر الطين ، فيكون موصوفا بأنه تتابع على القوم بمجيئه.
وأضاف الطبري : وإنما كان جائزا أن يكون على ما تأوّله هذا المتأول ، لو كان التنزيل بالنصب «منضودة» فيكون من نعت «الحجارة» حينئذ.
(٢) الآية : ٨٥.