قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) فيه قولان : أحدهما : أنه فعل ماض ، معناه : فإن أعرضوا : فعلى هذا ، في الآية إضمار ، تلخيصه : فإن أعرضوا فقل لهم : قد أبلغتكم ، هذا مذهب مقاتل في آخرين. والثاني : أنه خطاب للحاضرين ، وتقديره : فإن تتولّوا ، فاستثقلوا الجمع بين تاءين متحركتين ، فاقتصر على إحداهما ، وأسقطت الأخرى ، كما قال النّابغة :
المرء يهوى أن يعي |
|
ش وطول عيش قد يضرّه |
تفنى بشاشته ويب |
|
قى بعد حلو العيش مرّه |
وتصرّف الأيّام حتّ |
|
ى ما يرى شيئا يسرّه |
أراد : وتتصرّف الأيام ، فأسقط إحدى التّاءين ، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى : (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) فيه وعيد لهم بالهلاك. (إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) فيه قولان : أحدهما : حفيظ على أعمال العباد حتى يجازيهم بها. والثاني : أنّ «على» بمعنى اللام ، فالمعنى : لكلّ شيء حافظ ، فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء.
(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٨))
قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) فيه قولان : أحدهما : جاء عذابنا ، قاله ابن عباس. والثاني : جاء أمرنا بهلاكهم. قوله تعالى : (نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) فيه قولان : أحدهما : نجّيناهم من العذاب بنعمتنا. والثاني : نجّيناهم بأن هديناهم إلى الإيمان ، وعصمناهم من الكفر ، روي القولان عن ابن عباس. قوله تعالى : (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) أي : شديد ، وهو ما استحقّه قوم هود من عذاب الدنيا والآخرة.
(وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩))
قوله تعالى : (وَتِلْكَ عادٌ) يعني القبيلة (وَعَصَوْا رُسُلَهُ). لقائل أن يقول : إنّما أرسل إليهم هود وحده ، فكيف ذكر بلفظ الجمع؟
فالجواب من ثلاثة أوجه : أحدها : أنه قد يذكر لفظ الجمع ويراد به الواحد ، كقوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) والمراد به النبيّ صلىاللهعليهوسلم وحده. والثاني : أنّ من كذّب رسولا واحدا فقد كذّب الكلّ. والثالث : أنّ كلّ مرّة ينذرهم فيها هي رسالة مجدّدة وهو بها رسول.
قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا) أي : واتّبع الأتباع أمر الرّؤساء. والجبّار : الذي طال وفات اليد.
وللعلماء في الجبّار أربعة أقوال : أحدها : أنه الذي يقتل على الغضب ويعاقب على الغضب ، قاله الكلبيّ. والثاني : أنه الذي يجبر الناس على ما يريد ، قاله الزّجّاج. والثالث : أنه المسلّط. والرابع : أنه العظيم في نفسه ، المتكبّر على العباد ، ذكرهما ابن الأنباري. والذي ذكرناه يجمع هذه الأقوال ، وقد زدنا هذا شرحا في (المائدة). وأمّا العنيد : فهو الذي لا يقبل الحقّ. قال ابن قتيبة : العنود ، والعنيد ، والعاند : المعارض لك بالخلاف عليك.
(وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ