الدنيا (ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) في الآخرة. قال محمّد بن كعب القرظيّ : لم يبق مؤمن ولا مؤمنة في أصلاب الرجال وأرحام النساء يومئذ إلى أن تقوم السّاعة إلّا وقد دخل في ذلك السّلام والبركات ، ولم يبق كافر إلّا دخل في ذلك المتاع والعذاب.
(تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ (٥٠) يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣))
قوله تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) في المشار إليه ب «تلك» قولان : أحدهما : قصّة نوح. والثاني : آيات القرآن ، والمعنى : تلك من أخبار ما غاب عنك وعن قومك.
فإن قيل : كيف قال هاهنا : «تلك» ، وفي مكان آخر «ذلك»؟
فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، فقال : «تلك» إشارة إلى آيات القرآن ، و «ذلك» إشارة إلى الخبر والحديث ، وكلاهما معروف في اللغة الفصيحة ، يقول الرجل : قد قدم فلان ، فيقول سامع قوله : قد فرحت به ، وقد سررت بها ، فإذا ذكّر ، عنى القدوم ، وإذا أنّث ، ذهب إلى القدمة.
قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ هذا) يعني القرآن. (فَاصْبِرْ) كما صبر نوح على أذى قومه (إِنَّ الْعاقِبَةَ) أي آخر الأمر بالظّفر والتّمكين (لِلْمُتَّقِينَ) أي لك ولقومك كما كان لمؤمني قوم نوح.
قوله تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) أي : ما أنتم إلّا في إشراككم مع الله الأوثان. وما بعد هذا قد سبق تفسيره (١) إلى قوله : (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) وهذا أيضا قد سبق تفسيره في سورة الأنعام (٢). والسبب في قوله لهم ذلك ، أنّ الله حبس المطر عنهم ثلاث سنين وأعقم أرحام نسائهم ، فوعدهم إحياء بلادهم وبسط الرّزق لهم إن آمنوا.
قوله تعالى : (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الولد وولد الولد ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : يزدكم شدّة إلى شدّتكم ، قاله مجاهد ، وابن زيد. والثالث : خصبا إلى خصبكم ، قاله الضّحّاك.
قوله تعالى : (وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) قال مقاتل : لا تعرضوا عن التّوحيد مشركين.
قوله تعالى : (ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) أي : بحجّة واضحة. (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا) يعنون الأصنام (عَنْ قَوْلِكَ) أي : بقولك ، و «الباء» و «عن» يتعاقبان.
__________________
(١) سورة يونس : ٧٢.
(٢) عند الآية : ٦١.