وثلاثين ، وفجّر الله له عين القار تغلي غليانا حتى طلاها. وعن ابن عباس قال : جعل لها ثلاثة بطون ، فحمل في البطن الأول الوحوش والسّباع والهوام ، وفي الأوسط الدّوابّ والأنعام ، وركب هو ومن معه البطن الأعلى. وروي عن الحسن أنه قال : كانت سفينة نوح طولها ألف ذراع ، ومائتا ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع. وقال قتادة : كانت فيما ذكر لنا طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسمائة ذراع ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا. وقال ابن جريج : كان طولها ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسين ومائة ذراع ، وطولها في السماء ثلاثون ذراعا ، وكان في أعلاها الطّير ، وفي وسطها الناس ، وفي أسفلها السّباع. وزعم مقاتل أنه عمل السفينة في أربعمائة سنة.
قوله تعالى : (وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) فيه قولان : أحدهما : أنهم رأوه يبني السّفينة وما رأوا سفينة قطّ ، فكانوا يسخرون ويقولون : صرت بعد النبوّة نجّارا؟ وهذا قول ابن إسحاق. والثاني : أنهم قالوا له : ما تصنع؟ فقال : أبني بيتا يمشي على الماء ، فسخروا من قوله ، وهذا قول مقاتل. وفي قوله : (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) خمسة أقوال : أحدها : إن تسخروا من قولنا فإنّا نسخر من غفلتكم. والثاني : إن تسخروا من فعلنا عند بناء السّفينة ، فإنّا نسخر منكم عند الغرق ، ذكره المفسّرون. والثالث : إن تسخروا منّا في الدنيا ، فإنّا نسخر منكم في الآخرة ، قاله ابن جرير. والرابع : إن تستجهلونا ، فإنّا نستجهلكم ، قاله الزّجّاج. والخامس : إن تسخروا منّا ، فإنّا نستنصر الله عليكم ، فسمّى هذا سخرية ، ليتّفق اللفظان كما بيّنّا في قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) (١) ، هذا قول ابن الأنباري. قال ابن عباس : لم يكن في الأرض قبل الطّوفان نهر ولا بحر ، فلذلك سخروا منه ، وإنّما مياه البحار بقيّة الطّوفان.
(فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ (٣٩))
قوله تعالى : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) هذا وعيد ، ومعناه : فسوف تعلمون من هو أحقّ بالسّخرية ، ومن هو أحمد عاقبة. وقوله تعالى : (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) أي : يذلّه ، وهو الغرق. (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ) أي : ويجب عليه (عَذابٌ مُقِيمٌ) في الآخرة.
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (٤٠))
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) فيه قولان : أحدهما : جاء أمرنا بعذابهم وإهلاكهم. والثاني : جاء عذابنا وهو الماء ، ابتدأ بجنبات الأرض فدار حولها كالإكليل ، وجعل المطر ينزل من السماء كأفواه القرب ، فجعلت الوحوش يطلبن وسط الأرض هربا من الماء حتى اجتمعن عند السّفينة ، فحينئذ حمل فيها من كلّ زوجين اثنين.
قوله تعالى : (وَفارَ التَّنُّورُ) الفور : الغليان ؛ والفوّارة : ما يفور من القدر ، قاله ابن فارس.
قال المصنّف : وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغويّ عن ابن دريد قال : التّنّور : اسم فارسيّ
__________________
(١) سورة البقرة : ١٥.