(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٦) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧))
قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) قال أبو عبيدة : «من» من حروف الزّوائد ، والمعنى : وما دابّة ، والدّابّة : اسم لكلّ حيوان يدبّ. وقوله تعالى : (إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) قال العلماء : فضلا منه لا وجوبا عليه. و «على» ها هنا بمعنى «من». وقد ذكرنا المستقرّ والمستودع في سورة الأنعام (١). قوله تعالى : (كُلٌّ فِي كِتابٍ) أي : ذلك عند الله في اللوح المحفوظ ، هذا قول المفسّرين. وقال الزّجّاج : المعنى : ذلك ثابت في علم الله عزوجل.
قوله تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) قال ابن عباس : عرشه : سريره ، وكان الماء إذ كان العرش عليه على الرّيح. قال قتادة : ذلك قبل أن يخلق السّماوات والأرض.
قوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ) أي : ليختبركم الاختبار الذي يجازي عليه ، فيثيب المعتبر بما يرى من آيات السّماوات والأرض. ويعاقب أهل العناد.
قوله تعالى : (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فيه أربعة أقوال :
(٧٩٤) أحدها : «أيّكم أحسن عقلا ، وأورع عن محارم الله عزوجل ، وأسرع في طاعة الله» رواه ابن عمر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
والثاني : أيّكم أعمل بطاعة الله ، قاله ابن عباس. والثالث : أيّكم أتمّ عقلا ، قاله قتادة. والرابع : أيّكم أزهد في الدنيا ، قاله الحسن وسفيان.
قوله تعالى : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) قال الزّجّاج : السّحر باطل عندهم ، فكأنّهم قالوا : إن هذا إلّا باطل بيّن ، فأعلمهم الله تعالى أنّ القدرة على خلق السّماوات والأرض تدلّ على بعث الموتى.
(وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨))
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) قال المفسّرون : هؤلاء كفّار مكّة ، والمراد بالأمّة المعدودة : الأجل المعلوم ، والمعنى : إلى مجيء أمّة وانقراض أخرى قبلها. (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) وإنّما قالوا ذلك تكذيبا واستهزاء. قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) وقال : (لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ). وقال بعضهم : لا يصرف عنهم العذاب إذا أتاهم. وقال آخرون : إذا أخذتهم سيوف رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم تغمد
____________________________________
(٧٩٤) باطل. أخرجه الطبري ١٨٠٠٣ من حديث ابن عمر ، ومداره على داود بن المجبر ، وهو متهم بوضع كتاب «فضل العقل» ، راجع ترجمته في «الميزان». وهذا الحديث ذكر فيه العقل كما ترى.
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦٧.