لنا بالخصب ، فإن أخصبنا صدّقناك». فدعا لهم ، فسقوا ولم يؤمنوا ، ذكره الماوردي.
قال المفسّرون : المراد بالناس ها هنا : الكفّار. وفي المراد بالرّحمة والضّرّاء ثلاثة أقوال : أحدها : أنّ الرّحمة : العافية والسّرور ، والضّرّاء : الفقر والبلاء ، قاله ابن عباس. والثاني : الرّحمة : الإسلام ، والضّرّاء : الكفر ، وهذا في حقّ المنافقين ، قاله الحسن. والثالث : أنّ الرّحمة : الخصب ، والضّرّاء : الجدب ، قاله الضّحّاك. وفي المراد بالمكر ها هنا أربعة أقوال : أحدها : أنه الاستهزاء والتّكذيب ، قاله مجاهد ، ومقاتل. والثاني : أنه الجحود والرّدّ ، قاله أبو عبيدة. والثالث : أنه إضافة النّعم إلى غير الله ، فيقولون : سقينا بنوء كذا ، قاله مقاتل بن حيّان. والرابع : أنّ المكر : النّفاق ، لأنه إظهار الإيمان وإبطان الكفر ، ذكره الماوردي.
قوله تعالى : (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) أي : جزاء على المكر (إِنَّ رُسُلَنا) يعني الحفظة (يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) أي : يحفظون ذلك لمجازاتكم عليه (١). وقرأ يعقوب إلّا رويسا وأبا حاتم ، وأبان عن عاصم : «يمكرون» بالياء.
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣))
قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ) أي : الله هو أسرع مكرا ، هو الذي يسيّركم (فِي الْبَرِّ) على الدّوابّ ، وفي البحر على السّفن ، فلو شاء انتقم منكم في البرّ أو في البحر. وقرأ ابن عامر ، وأبو جعفر : «ينشركم» بالنون والشين من النّشر ، وهو في المعنى مثل قوله : (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً). والفلك : السّفن. قال الفرّاء : الفلك تذكّر وتؤنّث ، وتكون واحدة وتكون جمعا ، قال تعالى ها هنا : (جاءَتْها) فأنّث ، وقال في يس : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (٢) فذكّر.
قوله تعالى : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) : عاد بعد المخاطبة لهم إلى الإخبار عنهم. قال الزّجّاج : كلّ من أقام الغائب مقام من يخاطبه جاز أن يردّه إلى الغائب ، قال الشاعر :
____________________________________
المدينة. وقد تفرد الماوردي والمصنف بذكره عند هذه الآية دون سائر أهل التفسير والأثر. وسيأتي ما في الصحيح في آخر سورة الشعراء إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) قال الحافظ ابن كثير في تفسيره ٢ / ٥٠٨ ـ ٥٠٩ : وقوله (قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً) أي : أشد استدراجا وإمهالا ، حتى يظن الظانّ من المجرمين أنه ليس بمعذب ، وإنما هو في مهلة ، ثم يؤخذ على غرة منه ، والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله ، ويحصونه عليه ، ثم يعرضونه على عالم الغيب والشهادة ، فيجازيه على الحقير والجليل والنقير والقطمير.
(٢) سورة يس : ٤١.