(٧٧١) أحدها : أنه لمّا أنزل الله عزوجل عيوب المنافقين في غزوة تبوك ، قال المؤمنون : والله لا نتخلّف عن غزوة يغزوها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا سريّة أبدا. فلما أرسل السّرايا بعد تبوك ، نفر المسلمون جميعا ، وتركوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحده ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
(٧٧٢) والثاني : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمّا دعا على مضر ، أجدبت بلادهم ؛ فكانت القبيلة منهم تقبل
____________________________________
(٧٧١) باطل لا أصل له. ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٥٣٣ من رواية الكلبي عن ابن عباس ، والكلبي ممن يضع الحديث ، والمتن باطل ، فإن المسلمين كانوا ينفرون بأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(٧٧٢) ضعيف. أخرجه الطبري ١٧٤٨٨ عن ابن عباس ، ورجاله ثقات ، لكنه منقطع بين ابن عباس وعلي بن أبي طلحة ، والآية تخاطب المؤمنين لا الكافرين كما هو سياق الحديث.
__________________
ثناؤه : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) يقول : فهلا نفر من كل فرقة منهم طائفة وهذا إلى ها هنا. على أحد الأقوال التي رويت عن ابن عباس وهو قول قتادة والضحاك وإنما قلنا : هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب. لأن الله تعالى ذكره حظر التخلف خلاف رسول الله صلىاللهعليهوسلم على المؤمنين به من أهل المدينة مدينة الرسول صلىاللهعليهوسلم ومن الأعراب ، لغير عذر يعذرون به ، إذا خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم لغزو وجهاد عدو قبل هذه الآية بقوله : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ) [التوبة : ١٢٠]. ثم عقب ذلك جل ثناؤه (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) فكان معلوما بذلك إذ كان قد عرفهم في الآية التي قبلها اللازم لهم من فرض النفر ، والمباح لهم من تركه حال غزو رسول الله صلىاللهعليهوسلم وشخوصه عن مدينته لجهاد عدو ، وأعلمهم أنه لا يسعهم التخلف خلافه إلا لعذر بعد استنهاضه بعضهم وتخليفه بعضهم. أن يكون عقيب تعريفهم ذلك ، تعريفهم الواجب عليهم عند مقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم بمدينته ، وإشخاص غيره عنها ، كما كان الابتداء بتعريفهم الواجب عند شخوصه وتخليفه بعضهم.
وأما قوله : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) فإن أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : ليتفقه الطائفة النافرة بما تعاين من نصر الله أهل دينه وأصحاب رسوله على أهل عداوته والكفر به ، فيفقه بذلك معاينته حقيقة علم أمر الإسلام وظهوره على الأديان من لم يكن فقهه ، ولينذر قومهم فيحذرهم أن ينزل بهم من بأس الله مثل الذي نزل بمن شاهدوا وعاينوا ممن ظفر بهم المسلمون من أهل الشرك إذا هم رجعوا إليهم من غزوهم. (لَعَلَّهُمْ) يحذرون يقول : لعل قومهم ، إذا هم حذروهم ما عاينوا من ذلك ، يحذرون فيؤمنون بالله ورسوله ، حذارا أن ينزل بهم ما نزل بالذين أخبروا خبرهم. وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب ، وهو قول الحسن البصري لأن «النفر» قد بينا فيما مضى ، أنه إذا كان مطلقا بغير صلة بشيء ، أن الأغلب من استعمال العرب إياه في الجهاد والغزو ، فإذا كان ذلك هو الأغلب من المعاني فيه ، وكان جل ثناؤه قال : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ). علم أن قوله (لِيَتَفَقَّهُوا) إنما هو شرط للنفر لا لغيره. إذ كان يليه دون غيره من الكلام. فإن قال قائل وما تنكر أن يكون معناه : ليتفقه المتخلفون في الدنيا.
قيل : ننكر ذلك لاستحالته. وذلك أن نفر الطائفة النافرة لو كان سببا لتفقه المتخلفة ، وجب أن يكون مقامهم معهم سببا لجهلهم وترك التفقه ، وقد علمنا أن مقامهم لو أقاموا ولم ينفروا لم يكن سببا لمنعهم من التفقه.
وبعد ، فإنه قال جل ثناؤه : (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) عطفا به على قوله : (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) ، ولا شك أن الطائفة النافرة لم ينفروا إلا والإنذار قد تقدم من الله إليها ، وللإنذار وخوف الوعيد نفرت ، فما وجه إنذار الطائفة المتخلفة الطائفة النافرة ، وقد تساوتا في المعرفة بإنذار الله إياهما؟ ولو كانت إحداهما جائز أن توصف بإنذار الأخرى ، لكان أحقهما بأن يوصف به ، الطائفة النافرة ، لأنها قد عاينت من قدرة الله ونصرة المؤمنين على أهل الكفر به. ما لم تعاين المقيمة. ولكن ذلك إن شاء الله كما قلنا. في أنها تنذر من حيّها وقبيلتها من لم يؤمن بالله إذا رجعت إليه : أن ينزل به ما أنزل بمن عاينته ممن أظفر الله به المؤمنين من نظرائه من أهل الشرك. اه.