(٥١٣) سبب نزولها : أنّ أهل مكّة قالوا : يا محمّد ، لو أنزل الله عليك كنزا فتستغني به ، فإنّك فقير محتاج ؛ أو تكون لك جنّة تأكل منها ، فإنك تجوع ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
قال الزّجّاج : وهذه الآية متّصلة بقوله تعالى : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، فأعلمهم أنه لا يملك خزائن الله التي منها يرزق ويعطي ، ولا يعلم الغيب فيخبرهم به إلّا بوحي ، ولا يقول : إنه ملك ، لأنّ الملك يشاهد من أمور الله تعالى ما لا يشاهده البشر. وقرأ ابن مسعود ، وابن جبير ، وعكرمة ، والجحدريّ : «إنّي ملك» بكسر اللام. وفي الأعمى والبصير قولان :
أحدهما : أنّ الأعمى : الكافر ، والبصير : المؤمن ، قاله ابن عباس ، وقتادة.
والثاني : الأعمى : الضّالّ ، والبصير : المهتدي ، قاله سعيد بن جبير ، ومجاهد.
وفي قوله تعالى : (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) قولان : أحدهما : فيما بيّن لكم من الآيات الدّالّة على وحدانيّته وصدق رسوله. والثاني : فيما ضرب لكم من مثل الأعمى والبصير وأنهما لا يستويان.
(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١))
قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ بِهِ) قال الزّجّاج : يعني بالقرآن ، وإنما ذكر الذين يخافون الحشر دون غيرهم ، وإن كان منذرا لجميع الخلق ، لأن الحجّة على الخائفين الحشر أظهر ، لاعترافهم بالمعاد ، فهم أحد رجلين : إما مسلم ، فينذر ليؤدّي حقّ الله عليه في إسلامه ، وإما كتابيّ ، فأهل الكتاب مجمعون على البعث. وذكر الوليّ والشّفيع ، لأنّ اليهود والنّصارى ذكرت أنها أبناء الله وأحبّاؤه ، فأعلم عزوجل أنّ أهل الكفر ليس لهم من دونه وليّ ولا شفيع. وقال غيره : ليس لهم من دونه وليّ ، أي : ليس لهم غير الله وليّ ولا شفيع ، لأن شفاعة الشّافعين بأمره.
وقال أبو سليمان الدّمشقيّ : هذه الآية متعلّقة بقوله : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) (١). روى سعد بن أبي وقّاص قال :
(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢))
قوله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) ، روى سعد بن أبي وقّاص قال :
(٥١٤) نزلت هذه الآية في ستّة : فيّ ، وفي ابن مسعود ، وصهيب ، وعمّار ، والمقداد ، وبلال. قالت قريش لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّا لا نرضى أن نكون أتباعا لهؤلاء ، فاطردهم عنك. فدخل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذلك ما شاء الله أن يدخل ، فنزلت هذه الآية.
____________________________________
(٥١٣) عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس ، وهي رواية ساقطة واهية ، وتقدم الكلام على ذلك مرارا.
(٥١٤) حسن. أخرجه الطبري ١٣٢٦٦ عن سعد وإسناده حسن وانظر ما بعده.
__________________
(١) سورة الأنعام : ١٩.