«خالفوا» بألف. وقرأ معاذ القارئ ، وعكرمة ، وحميد : «خلفوا» بفتح الخاء واللام المخفّفة. وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو العالية : «خلّفوا» بفتح الخاء واللام مع تشديدها. وهؤلاء هم المرادون بقوله تعالى : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ) وقد تقدّمت أسماؤهم. وفي معنى «خلّفوا» قولان : أحدهما : خلّفوا عن التّوبة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد. فيكون المعنى : خلّفوا عن توبة الله على أبي لبابة وأصحابه إذ لم يخضعوا كما خضع أولئك. والثاني : خلّفوا عن غزوة تبوك ، قاله قتادة. وحديثهم مندرج في توبة كعب بن مالك (١) ، وقد رويتها في كتاب «الحدائق».
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) أي : ضاقت مع سعتها.
(٧٧٠) وذلك أنّ المسلمين منعوا من معاملتهم وكلامهم ، وأمروا باعتزال أزواجهم ، وكان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم معرضا عنهم. (وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ) بالهمّ والغمّ. (وَظَنُّوا) أي : أيقنوا (أَنْ لا مَلْجَأَ) أي : لا معتصم من الله ومن عذابه إلّا هو. (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) أعاد التّوبة تأكيدا ، (لِيَتُوبُوا) قال ابن عباس : ليستقيموا. وقال غيره : وفّقهم للتوبة ليدوموا عليها ولا يرجعوا إلى ما يبطلها. وسئل بعضهم عن التّوبة النّصوح ، فقال : أن تضيق على التّائب الأرض ، وتضيق عليه نفسه ، كتوبة كعب وصاحبيه.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) في سبب نزولها قولان : أحدهما : أنها نزلت في قصّة الثلاثة المتخلّفين. والثاني : أنها في أهل الكتاب. والمعنى : يا أيّها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتّقوا الله في إيمانكم بمحمّد صلىاللهعليهوسلم وكونوا مع الصّادقين.
وفي المراد بالصّادقين خمسة أقوال : أحدها : أنه النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، قاله ابن عمر. والثاني : أبو بكر وعمر ، قاله سعيد بن جبير ، والضّحّاك. وقد قرأ ابن السّميفع ، وأبو المتوكّل ، ومعاذ القارئ : «مع الصّادقين» بفتح القاف وكسر النون على التّثنية. والثالث : أنهم الثلاثة الذين خلّفوا ، صدقوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن تأخّرهم ، قاله السّدّيّ. والرابع : أنهم المهاجرون ، لأنهم لم يتخلّفوا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الجهاد ، قاله ابن جريج. قال أبو سليمان الدّمشقي. وقيل : إنّ أبا بكر الصّديق احتجّ بهذه الآية يوم السّقيفة ، فقال : يا معشر الأنصار ، إنّ الله يقول في كتابه : (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا) إلى قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) من هم؟ قالت الأنصار : أنتم هم. قال : فإنّ الله تعالى يقول : (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) فأمركم أن تكونوا معنا ، ولم يأمرنا أن نكون معكم ، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء. والخامس : أنه عامّ ، قاله قتادة. و «مع» بمعنى : «من» ، وكذلك هي في قراءة ابن مسعود : «وكونوا من الصادقين».
____________________________________
(٧٧٠) صحيح. أخرجه البخاري ٤٤١٨ ومسلم ٢٧٦٩ والترمذي ٣١٠٢ والنسائي في «التفسير» ٢٥٢ وعبد الرزاق ٩٧٤٤ وأحمد ٥ / ٣٨٧ وابن أبي شيبة ١٤ / ٥٤٠ وابن حبان ٣٣٧٠ والواحدي في «الوسيط» ٢ / ٥٣٠ و ٥٣٢ ١١ والطبري ١٧٤٦١ والبيهقي في «الدلائل» ٥ / ٢٧٣ والبغوي ١١٣٤ من حديث كعب بن مالك.
__________________
(١) هو الآتي.