المنكر في حال أمره ، فكان دخول الواو دلالة على أنّ الأمر بالمعروف لا ينفرد دون النّهي عن المنكر كما ينفرد الحامدون بالحمد دون السّائحين ، والسّائحون بالسّياحة دون الحامدين في بعض الأحوال والأوقات.
قوله تعالى : (وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) قال الحسن : القائمون بأمر الله.
(ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤))
قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) في سبب نزولها أربعة أقوال :
(٧٦٢) أحدها : أنّ أبا طالب لمّا حضرته الوفاة ، دخل عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبي أميّة ، فقال : «أي عمّ ، قل معي : لا إله إلّا الله ، أحاجّ لك بها عند الله» ، فقال أبو جهل وابن أبي أميّة : يا أبا طالب ، أترغب عن ملّة عبد المطّلب؟! فلم يزالا يكلّمانه ، حتى قال آخر شيء كلّمهم به : أنا على ملّة عبد المطّلب. فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك» ، فنزلت (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، ونزلت : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (١) ؛ أخرجه البخاريّ ومسلم في «الصّحيحين» من حديث سعيد بن المسيّب عن أبيه.
(٧٦٣) وقيل : إنه لمّا مات أبو طالب ، جعل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يستغفر له ، فقال المسلمون : ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قراباتنا ، وقد استغفر إبراهيم لأبيه ، وهذا محمّد يستغفر لعمّه؟ فاستغفروا للمشركين ، فنزلت هذه الآية. قال أبو الحسين بن المنادي : هذا لا يصحّ ، إنما قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم لعمّه «لأستغفرنّ لك ما لم أُنهَ عنك» قبل أن يموت ، وهو في السّياق ، فأمّا أن يكون استغفر له بعد الموت ، فلا ، فانقلب ذلك على الرّواة ، وبقي على انقلابه.
(٧٦٤) والثاني : أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم مرّ بقبر أمّه آمنة ، فتوضّأ وصلّى ركعتين ، ثمّ بكى فبكى الناس
____________________________________
(٧٦٢) صحيح. أخرجه البخاري ١٣٦٠ و ٤٧٧٢ و ٤٧٧٦ و ٣٨٨٤ و ٦٦٨١ ومسلم ٢٤ والنسائي ٤ / ٦٠ وفي «التفسير» ٢٥٠ وأحمد ٥ / ٤٣٣ وعبد الرزاق في «التفسير» ١١٣٢ وابن حبان ٩٨٢ والواحدي في «الوسيط» ٢ / ٥٢٧ و «الأسباب» ٥٣٠ والبيهقي في «الصفات ١٧١ و ١٩٥ و «الدلائل» ٢ / ٣٤٢ و ٣٤٣ ، والبغوي في «التفسير» ١١٢٣ بترقيمي. من طرق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه به.
(٧٦٣) أخرجه الطبري ١٧٣٤١ عن عمرو بن دينار مرسلا. وله شاهد من مرسل محمد بن كعب ، أخرجه ابن أبي حاتم كما في «الدر المنثور» ٣ / ٥٠٥. فهذان مرسلان لا تقوم بهما حجة. انظر «أحكام القرآن» ١٢٢٢ بتخريجنا.
(٧٦٤) عزاه السيوطي في «الدر» ٣ / ٥٠٧ لابن مردويه عن بريدة به. ولم أقف على إسناده. وورد بنحوه أخرجه الطبري ١٧٣٤٤ من حديث بريدة ورجاله ثقات. وورد من وجه آخر أخرجه الحاكم ١ / ٣٧٦ وصححه على
__________________
(١) سورة القصص : ٥٦.