قوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) في المراد بالقوة أربعة أقوال (١) :
(٦٥٥) أحدها : أنها الرّمي ، رواه عقبة بن عامر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وقال الحكم بن أبان : هي النّبل. والثاني : ذكور الخيل ، قاله عكرمة. والثالث : السّلاح ، قاله السّدّيّ ، وابن قتيبة. والرابع : أنه كلّ ما يتقوّى به على حرب العدوّ من آلة الجهاد.
قوله تعالى : (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ) يعني ربطها واقتناءها للغزو ؛ وهو عامّ في الذّكور والإناث في قول الجمهور. وكان عكرمة يقول : المراد بقوله تعالى : «ومن رباط الخيل» إناثها.
قوله تعالى : (تُرْهِبُونَ بِهِ) روى رويس ، وعبد الوارث «ترهّبون» بفتح الرّاء وتشديد الهاء ، أي : تخيفون وترعبون به عدوّ الله وعدوّكم ، وهم مشركو مكّة وكفّار العرب.
قوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) أي : من دون كفّار العرب. واختلفوا فيهم على خمسة أقوال (٢) : أحدها : أنهم الجنّ. روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال :
(٦٥٦) «هم الجنّ ، فإنّ الشيطان لا يخبّل أحدا في داره فرس عتيق».
____________________________________
(٦٥٥) صحيح. أخرجه مسلم ١٩١٧. والترمذي ٣٠٨٣ والدارمي ٢ / ٢٠٤ والحاكم ٢ / ٣٢٨. والطبري ١٦٢٤١ و ١٦٢٤٢ و ١٦٢٤٣ و ١٦٢٤٤. كلهم من حديث عقبة بن عامر.
(٦٥٦) ضعيف جدا. أخرجه الطبراني ١٧ / ١٨٩ وابن عدي في الكامل ٣ / ٣٦٠ كلاهما عن عبد الله بن عريب المليكي عن أبيه مرفوعا بلفظ «هم الجن» ، ولن يختل الشيطان إنسانا في داره فرس عتيق». وإسناده ضعيف جدا ، لأجل سعيد بن سنان ، وبه أعله ابن عدي ، وقال الهيثمي في «المجمع» ٢ / ٢٧ ح ١١٠٣٠ : رواه الطبراني ، وفيه مجاهيل اه. وقال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» ٢ / ٤٠١ : حديث منكر ، لا يصح إسناده ولا متنه. اه.
__________________
(١) قال الطبري في «تفسيره» ٦ / ٢٧٦ : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أمر المؤمنين بإعداد الجهاد وآلة الحرب وما يتقوون به على جهاد عدوه وعدوهم من المشركين من السلاح والرمي وغير ذلك ورباط الخيل ، ولا وجه أن يقال : عني بالقوة معنى دون معنى من معاني القوة وقد عمّ الله الأمر بها. فإن قال قائل : فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد بين أن ذلك مراد به الخصوص بقوله «ألا إن القوة الرمي» قيل له : إن الخبر وإن كان قد جاء بذلك فليس من الخبر ما يدل على أن مراده بها الرمي خاصة دون سائر معاني القوة عليهم ، فإن الرمي أحد معاني القوة ، لأنه إنما قيل في الخبر «ألا إن القوة الرمي» ولم يقل «دون» غيرها. ومن القوة أيضا السيف والرمح والحربة. وكل ما كان معونة على قتال المشركين. كمعونة الرمي أو أبلغ من الرمي فيهم وفي النكاية منهم. هذا مع وهاء سند الخبر بذلك عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(٢) قال الطبري في «تفسيره» ٦ / ٢٧٧ : فإن قول من قال : عني به الجن ، أقرب وأشبه بالصواب ، لأنه جل ثناؤه قد أدخل بقوله (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأمر بارتباط الخيل لإرهاب كل عدو لله وللمؤمنين يعلمونهم. ولا شك أن المؤمنين كانوا عالمين بعدواة قريظة وفارس لهم ، لعلمهم بأنهم مشركون ، وأنهم لهم حرب. ولا معنى لأن يقال وهم يعلمونهم لهم أعداء (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ) ولكن معنى ذلك إن شاء الله ترهبون بارتباطكم. أيها المؤمنون ، الخيل عدو الله وأعداءكم من بني آدم والذين قد علمتم عداوتهم لكم ، لكفرهم بالله ورسوله ، وترهبون بذلك جنسا آخر من غير بني آدم لا تعلمون أماكنهم وأحوالهم ، والله يعلمهم دونكم ، لأن بني آدم لا يرونهم. وقيل إن صهيل الخيل يرهب الجن ، وأن الجن لا تقرب دارا فيها فرس.