ابن الأنباري : لم تعلم الملائكة أين تقصد بالضّرب من الناس ، فعلّمهم الله تعالى ذلك. والثاني : أنهم المؤمنون ، ذكره جماعة من المفسّرين. وفي معنى الكلام قولان : أحدهما : فاضربوا الأعناق ، و «فوق» صلة ، وهذا قول عطيّة ، والضّحّاك ، والأخفش ، وابن قتيبة. وقال أبو عبيدة : «فوق» بمعنى «على» ، تقول : ضربته فوق الرأس ، وضربته على الرأس. والثاني : اضربوا الرؤوس لأنها فوق الأعناق ، وبه قال عكرمة. وفي المراد بالبنان ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الأطراف ، قاله ابن عباس ، والضّحّاك. وقال الفرّاء : علمهم مواضع الضّرب ، فقال : اضربوا الرؤوس والأيدي والأرجل. وقال أبو عبيدة ، وابن قتيبة : البنان : أطراف الأصابع. قال ابن الأنباري : واكتفى بهذا من جملة اليد والرّجل. والثاني : أنه كلّ مفصل ، قاله عطيّة ، والسّدّيّ. والثالث : أنه الأصابع وغيرها من جميع الأعضاء ، والمعنى : أنه أباحهم قتلهم بكلّ نوع ، هذا قول الزّجّاج. قال : واشتقاق البنان من قولهم : أبنّ بالمكان : إذا أقام به ؛ فالبنان به يعتمل كلّ ما يكون للإقامة والحياة. قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ) «ذلك» إشارة إلى الضّرب ، و «شاقوا» بمعنى : جانبوا ، فصاروا في شقّ المؤمنين. قوله تعالى : (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ) خطاب للمشركين ؛ والمعنى : ذوقوا هذا في عاجل الدنيا. وفي فتح «أنّ» قولان : أحدهما : بإضمار فعل ، تقديره : ذلكم فذوقوه واعلموا أنّ للكافرين. والثاني : أن يكون المعنى : ذلك بأنّ للكافرين عذاب النار. فإذا ألقيت الباء ، نصبت. وإن شئت ، جعلت «أن» في موضع رفع ؛ يريد : ذلكم فذوقوه ، وذلكم أنّ للكافرين عذاب النّار ، هذا معنى قول الفرّاء.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦))
قوله تعالى : (إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً) ، الزّحف : جماعة يزحفون إلى عدوّهم ؛ قاله الليث. والتّزاحف : التّداني والتّقارب ، قال الأعشى :
لمن الظّعائن سيرهنّ تزحّف (١)
قال الزّجّاج : ومعنى الكلام : إذا واقفتموهم للقتال فلا تدبروا (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ) يوم حربهم (دُبُرَهُ) إلّا أن يتحرّف ليقاتل ، أو يتحيّز إلى فئة ؛ ف «متحرّفا» و «متحيّزا» منصوبان على الحال. ويجوز أن يكون نصبهما على الاستثناء ؛ فيكون المعنى : إلّا رجلا متحرّفا أو متحيّزا. وأصل متحيّز : متحيوز ؛ فأدغمت الياء في الواو.
قوله تعالى : (وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ) أي : مرجعه إليها ؛ ولا يدلّ ذلك على التّخليد.
__________________
الأعناق. وإذا احتمل ذلك صح قول من قال : معناه : الأعناق. وإذا كان الأمر محتملا ما ذكرنا في التأويل ، لم يكن لنا أن نوجهه إلى بعض معانيه دون بعض ، إلا بحجة يجب التسليم لها. ولا حجة تدل على خصوصه ، فالواجب أن يقال : إن الله أمر بضرب رؤوس المشركين وأعناقهم وأيديهم وأرجلهم ، أصحاب نبيه صلىاللهعليهوسلم الذين شهدوا معه بدرا اه.
(١) البيت منسوب إلى الأعشى.