والمعنى : إذا جرّأهم الشيطان على ما لا يحلّ ، تذكّروا غضب الله فأمسكوا ، فإذا هم مبصرون لمواضع الخطأ بالتّفكر.
(وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ (٢٠٢))
قوله تعالى : (وَإِخْوانُهُمْ) في هذه الهاء والميم قولان :
أحدهما : أنها عائدة على المشركين ؛ فتكون هذه الآية مقدّمة على التي قبلها ، والتّقدير : وأعرض عن الجاهلين ، وإخوان الجاهلين ، وهم الشياطين (يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِ) قرأ نافع : «يمدونهم» بضمّ الياء وكسر الميم. والباقون : بفتح الياء وضمّ الميم. قال أبو عليّ : عامّة ما جاء في التّنزيل فيما يحمد ويستحب : أمددت ، على أفعلت ، كقوله تعالى : (أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ) (١) (أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ) (٢) (وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ) (٣) ، وما كان على خلافه يجيء على : مددت ؛ كقوله تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ) (٤) ؛ فهذا يدلّ على أنّ الوجه فتح الياء ، إلّا أنّ وجه قراءة نافع منزلة (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٥). قال المفسّرون : «يمدونهم في الغي» أي : يزيّنونه لهم ، ويريدون منهم لزومه ؛ فيكون معنى الكلام : إنّ الذين اتّقوا إذا جرّهم الشيطان إلى خطيئة ، تابوا منها ، وإخوان الجاهلين ، وهم الشياطين ، وقد جرى ذكرهم لقوله تعالى : (مِنَ الشَّيْطانِ) ؛ فالمعنى : وإخوان الشياطين يمدّونهم.
والثاني : أنّ الهاء والميم ترجع إلى المتّقين ؛ فالمعنى : وإخوان المتّقين من المشركين ، وقيل : من الشياطين يمدّونهم في الغيّ ، أي : يريدون من المسلمين أن يدخلوا معهم في الكفر ، ذكر هذا القول جماعة منهم ابن الأنباري. فإن قيل : كيف قال : «وإخوانهم» وليسوا على دينهم؟ فالجواب : إنّا إن قلنا : إنّهم المشركون ، فجائز أن يكونوا إخوانهم في النّسب ، أو في كونهم من بني آدم ، أو لكونهم يظهرون النّصح كالإخوان ؛ فإن قلنا : إنهم الشياطين ، فجائز أن يكونوا لكونهم مصاحبين لهم ، والقول الأوّل أصحّ.
قوله تعالى : (ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ) وقرأ الزّهريّ وابن أبي عبلة : «لا يقصّرون» بالتشديد. قال الزّجّاج : يقال : أقصر يقصر ، وقصّر يقصّر. قال ابن عباس : لا الإنس يقصرون عمّا يعملون من السّيئات ولا الشياطين تقصر عنهم ؛ فعلى هذا يكون قوله تعالى : (يُقْصِرُونَ) من فعل الفريقين ، وهذا على القول المشهور ؛ ويخرّج على القول الثاني أن يكون هذا وصفا للإخوان فقط.
(وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٢٠٣))
قوله تعالى : (وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ) يعني به المشركين. وفي معنى الكلام قولان : أحدهما : إذا لم تأتهم
__________________
(١) سورة النمل : ٣٦.
(٢) سورة المؤمنون : ٥٥.
(٣) سورة الطور : ٢٢.
(٤) سورة البقرة : ١٥.
(٥) سورة التوبة : ٣٤.