أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث : أنهم لم ينهوا عبدة العجل ولم يرضوا ؛ نقل عن ابن عباس أيضا ، وقال قتادة ، وابن جريج : لم يأمروهم بالمعروف ، ولم ينهوهم عن المنكر ، ولم يزايلوهم. والرابع : أنّهم طلبوا سماع الكلام من الله تعالى ، فلمّا سمعوه قالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (١) ؛ قاله السّدّيّ وابن إسحاق.
قوله تعالى : (قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) قال السّدّيّ : قام موسى يبكي ويقول : ربّ ما ذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ). وقال الزّجّاج : لو شئت أمتّهم قبل أن تبتليهم بما أوجب عليهم الرّجفة. وقيل : لو شئت أهلكتهم من قبل خروجنا وإيّاي ، فكان بنو إسرائيل يعاينون ذلك ولا يتّهمونني.
قوله تعالى : (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) قال المبرّد : هذا استفهام استعطاف ، أي : لا تهلكنا. وقال ابن الأنباري : هذا استفهام على تأويل الجحد ، إذ أراد لست تفعل ذلك. و «السّفهاء» ها هنا : عبدة العجل. وقال الفرّاء : ظنّ موسى أنهم أهلكوا باتّخاذ أصحابهم العجل. وإنما أهلكوا بقولهم : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً).
قوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) فيها قولان : أحدهما : أنّها الابتلاء ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، وأبو العالية. والثاني : العذاب ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال قتادة. قوله تعالى : (أَنْتَ وَلِيُّنا) أي : ناصرنا وحافظنا.
(وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨))
قوله تعالى : (وَاكْتُبْ لَنا) أي : حقّق لنا وأوجب (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً) وهي الأعمال الصّالحة (وَفِي الْآخِرَةِ) المغفرة والجنّة (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) أي : تبنا ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وقتادة ، والضّحّاك ، والسّدّيّ. وقال ابن قتيبة : ومنه (الَّذِينَ هادُوا) (٢) كأنّهم رجعوا من شيء إلى شيء. وقرأ أبو وجزة السّعدي : «إنا هدنا» بكسر الهاء. قال ابن الأنباري : المعنى : لا نتغيّر ؛ يقال : هاد يهود ويهيد.
__________________
(١) سورة البقرة : ٥٥.
(٢) سورة البقرة : ٦٢.