الزّجّاج : من فتح الميم فلكثرة استعمال هذا الاسم ، ومن كسر أضافه إلى نفسه بعد أن جعله اسما واحدا ، ومن العرب من يقول : «يا ابن أمّي» بإثبات الياء. قال الشاعر :
يا ابن أمّي ويا شقيق نفسي |
|
أنت خلّفتني لدهر شديد (١) |
وقال أبو علي : يحتمل أن يريد من فتح : «يا ابن أمّ» أمّا ، ويحذف الألف ، ومن كسر : «ابن أمي» فيحذف الياء. فإن قيل : لم قال : «يا ابن أمّ» ولم يقل : «يا ابن أب»؟ فالجواب أنّ ابن عباس قال : كان أخاه لأبيه وأمّه ، وإنّما قال له ذلك ليرقّقه عليه. قال أبو سليمان الدّمشقي : والإنسان عند ذكر الوالدة أرقّ منه عند ذكر الوالد. وقيل : كان لأمّه دون أبيه ، حكاه الثّعلبيّ.
قوله تعالى : (إِنَّ الْقَوْمَ) يعني عبدة العجل. (اسْتَضْعَفُونِي) أي : استذلّوني (فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ) قرأ ابن عباس ، وابن محيصن وحميد : «فلا تشمت» بتاء مفتوحة مع فتح الميم ، «الأعداء» بالرفع ، وقرأ مجاهد ، وأبو العالية ، والضّحّاك ، وأبو رجاء : «فلا تشمت» بفتح التاء وكسر الميم ، «الأعداء» بالنّصب. وقرأ أبو الجوزاء ، وابن أبي عبلة مثل ذلك ، إلّا أنهما رفعا «الأعداء». ويعني بالأعداء : عبدة العجل. (وَلا تَجْعَلْنِي) في موجدتك وعقوبتك لي (مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) وهم عبدة العجل. فلمّا تبيّن له عذر أخيه (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي).
قوله تعالى : (وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فيها قولان : أحدهما : أنها الجزية ، قاله ابن عباس. والثاني : ما أمروا به من قتل أنفسهم ، قاله الزّجّاج. فعلى الأول يكون ما أضيف إليهم من الجزية في حقّ أولادهم ، لأنّ أولئك قتلوا ولم يؤدّوا جزية. قال عطيّة : وهذه الآية فيما أصاب بني قريظة والنّضير من القتل والجلاء لتولّيهم متّخذي العجل ورضاهم به.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) قال ابن عباس : كذلك أعاقب من اتّخذ إلها دوني ، وقال مالك بن أنس : ما من مبتدع إلّا وهو يجد فوق رأسه ذلّة ، وقرأ هذه الآية. وقال سفيان بن عيينة : ليس في الأرض صاحب بدعة إلّا وهو يجد ذلّة تغشاه ، قال : وهي في كتاب الله تعالى : قالوا : وأين هي؟ قال : أو ما سمعتم قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قالوا : يا أبا محمّد ، هذه لأصحاب العجل خاصّة ، قال : كلا ، أتلو ما بعدها. (وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ) فهي لكلّ مفتر ومبتدع إلى يوم القيامة.
(وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣))
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ) فيها قولان : أحدهما : أنها الشّرك. والثاني : الشّرك وغيره من الذّنوب. (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها) يعني السيئات. وفي قوله تعالى : (وَآمَنُوا) قولان : أحدهما : آمنوا بالله ؛ وهو يخرّج على قول من قال : هي الشّرك. والثاني : آمنوا بأنّ الله تعالى يقبل التّوبة. (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) يعني السّيئات.
__________________
(١) البيت منسوب إلى أبي زبيد حرملة بن المنذر الطائي «اللسان» شقق.