قوله تعالى : (فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ) أي : في مدينتهم. فإن قيل : كيف وحّد الدّار ها هنا ، وجمعها في موضع آخر ، فقال : (فِي دِيارِهِمْ) (١)؟ فعنه جوابان ، ذكرهما ابن الأنباري :
أحدهما : أنه أراد بالدّار : المعسكر ، أي : فأصبحوا في معسكرهم. وأراد بقوله : في ديارهم : المنازل التي ينفرد كلّ واحد منها بمنزل.
والثاني : أنه أراد بالدار : الدّيار ، فاكتفى بالواحد من الجميع ، كقول الشاعر :
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا
وشواهد هذا كثيرة في هذا الكتاب.
قوله تعالى : (جاثِمِينَ) قال الفرّاء : أصبحوا رمادا جاثما. وقال أبو عبيدة : أي : بعضهم على بعض جثوم. والجثوم للناس والطّير بمنزلة البروك للإبل. وقال ابن قتيبة : الجثوم : البروك على الرّكب. وقال غيره : كأنهم أصبحوا موتى على هذه الحال. وقال الزّجّاج : أصبحوا أجساما ملقاة في الأرض كالرّماد الجاثم. قال المفسّرون : معنى «جاثمين» : بعضهم على بعض ، أي : إنهم سقط بعضهم على بعض عند نزول العذاب.
(فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩) وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢))
قوله تعالى : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ) يقول : انصرف صالح عنهم بعد عقر النّاقة ، لأن الله تعالى أوحى إليه أن اخرج من بين أظهرهم ، فإني مهلكهم. وقال قتادة : ذكر لنا أنّ صالحا أسمع قومه كما أسمع نبيّكم قومه ، يعني : بعد موتهم.
قوله تعالى : (أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ) يعني إتيان الرّجال. (ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ) قال عمرو ابن دينار : ما نزا ذكر على ذكر في الدنيا حتى كان قوم لوط. وقال بعض اللغويين : لوط : مشتقّ من لطت الحوض : إذا ملّسته بالطّين. قال الزّجّاج وهذا غلط ، لأنه اسم أعجميّ كإسحاق ، ولا يقال : إنه مشتقّ من السّحق وهو البعد.
قوله تعالى : (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ) هذا استفهام إنكار. والمسرف : المجاوز ما أمر به. وقوله تعالى : (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ) يعني : لوطا وأتباعه المؤمنين (إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ) قال ابن عباس : يتنزّهون عن أدبار الرجال وأدبار النّساء.
(فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤))
__________________
(١) سورة هود : ٦٧.