كانت صورته روحية أخروية ، كبعض أعمال الخير التي يراد منها اكتساب عرض زائل لا الحصول على رضى الله ، وكما في الصلاة ، المتحركة في أجواء الرياء.
وعلى ضوء هذا ، نعرف أن المسألة لا تتغير في صورة العمل وارتباطه بالحياة من خلال مقياس العمل الدنيوي والأخروي ، بل في غاية العمل وروحيته ، عبر الخط الفاصل بين ما يبقى أثره في الدنيا ، وبين ما تتحرك إيجابياته في الآخرة ، وهكذا أراد قوم قارون منه ، أن يحرّك ما له في اتجاه الحصول على رضى الله الذي يمنحه معنى الخير ويؤدي به إلى الحصول على خير الآخرة ، ولم يريدوا منه أن يترك ما آتاه الله من مال ، أو يخرج منه ، لأن ذلك ليس هو المطلوب من الله.
(وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) فمن حقك أن تستعمل مالك في حاجاتك الخاصة وشهواتك ولذاتك الذاتية ، فليس معنى ابتغاء الدار الآخرة في مالك أن تنسى حقوق نفسك ، كإنسان يريد أن يعيش في الدنيا ويستمتع بطيباتها ، لأن طبيعة مادية جسدك أن تحصل له على ما يحفظ له حياته ويحقق له راحته. وبذلك يقف التوجيه الإسلامي في خط التوازن في حركة الممارسة الاقتصادية ، بين الجانب المادي الذي يمثل حاجة الإنسان كجسد ، للاكتفاء الذاتي من متع الحياة ، وبين الجانب الروحي الذي يمثل حاجة الإنسان ، كروح ترغب في الحصول على الاستقرار في الدار الآخرة ونعيمها في رضى الله. وقيل : إن «معناه لا تنس أن نصيبك من الدنيا ـ وقد أقبلت عليك ـ شيء قليل مما أوتيت وهو ما تأكله وتشربه وتلبسه مثلا ، والباقي فضل ستتركه لغيرك فخذ منها ما يكفيك» (١) ولكن هذا ـ مع وجود بعض ملامح التفسير السابق فيه ـ بعيد عن مساق الآية ، لأنها لم تتحدث عن قيمة نصيبه ، بل عن طبيعة ما
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٦ ، ص : ٧٧.