الخرافية. ولكن ، هل كانوا يتحدثون عن الطبيعة الخرافية للقصص والأخبار التي جاء بها القرآن ، أو كانوا يتحدثون عن الأخبار في مضمونها الذاتي البعيد عن التقييم النقدي؟
ربما كانت المسألة تندرج في الجانب الأوّل من السؤال ، لأن القرآن حدثنا عن الذهنية الجاهلية التي كانت تستبعد فكرة البعث والنشور والجنة والنار ، مما قد يجعل الحديث عن ذلك ـ لديهم ـ حديثا عن فكرة خرافية ، وربما كان الهاجس لديهم هو التنديد بفكرة الوحي الذي تختزنه النبوّة في دعوى النبيّ ، مما يجعل البحث عندهم متصلا بالجهة التي أملت عليه حديثه ، ليؤكدوا بشريتها ، لا ألوهيتها. وهذا ما يخطر في البال عند القراءة التأمليّة للآية التي ركزت التأكيد على أن هذه الأحاديث ليست وحي الله ، بل هي أحاديث الأولين ، التي هي عبارة عن قصص الأوّلين في تاريخ الأنبياء وأممهم ، مما كان أهل الكتاب يعلمونه ولم يكن ـ في وعيهم ـ مرفوضا في ذاته من الناحية الخرافية ، لا سيّما إذا عرفنا أن التفكير الخرافي لم يكن بعيدا عن ذهنهم باعتباره تفكيرا عقلانيا قريبا من الحقيقة ، أو متطابقا معها.
(فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) من هؤلاء الذين يملكون المعرفة ويلقونها إلى الناس ليحفظوها ويعوها ، وإلى الكتّاب ليكتبوها. وبذلك يكون المصدر الأصيل للمعرفة عنده بشريا ، تماما كما هو الحال لدى الآخرين ممن يملكون الثقافة من التعلم عند أهلها من أهل الكتاب وغيرهم ، في الغداة والعشي ، في ما يعنيه ذلك من الكناية عن التكرار في الوقت ، أي وقتا بعد وقت.
* * *
القرآن من الله
(قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ويحيط بكل الأشياء التي لا