المقارنة الواعية بين الماضي والحاضر
ثم تنطلق الآية في تعميق الفكرة في داخلهم من خلال ربط المبدأ بالتجربة الحيّة في حركة الواقع ، وذلك بالمقارنة بين الحياة التي كانوا يحيونها ، حيث كانت علاقاتهم خاضعة للعوامل الذاتية المنطلقة من المصالح والأنانيات والنوازع الشريرة ، التي يفقد الإنسان معها الحس العميق بالروابط الطاهرة التي تربطه بالآخرين ، فتدفعه إلى رعايتهم والتفكير بهم والشعور بآلامهم ومشاكلهم والتعاون على مواجهة الواقع ، وقد تؤدي بالإنسان إلى أن يعيش روح العداوة والبغضاء تجاه إخوانه إذا اصطدمت مصالحه بمصالحهم أو مشاعره بمشاعرهم ، ويتحرك نحو التقاتل والتباغض ... وبين الحياة التي يعيشونها الآن حيث بدأوا يشعرون بالرابطة الوثيقة التي تحكم علاقاتهم الروحية والاجتماعية من خلال العقيدة الواحدة والمصالح المشتركة والهدف الواحد والمسيرة الواحدة ، فلم يعد الإنسان في ظل هذا الواقع فردا مستقلا يملك مصالح خاصة تتصل بأنانيته ، بل تحوّل إلى جزء من أمّة تتشابك قضاياها ومصالحها في قضية واحدة ، وتعيش فيها المشاعر في وحدة شعورية رائعة. وهذا ما عبرت عنه الآية بقوله تعالى : (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) ، فإن هذا التأليف بين القلوب لم ينطلق من حالة طارئة ساذجة في حساب العواطف ، ولم يخضع لمعجزة إلهية خارجة عن النواميس الطبيعية للعلاقات ؛ بل انطلق من القاعدة الفكرية الروحية الجديدة المرتكزة على أساس فكر الإسلام وروحه ، وتلك هي القاعدة الأساسية التي تبني للمجتمع شخصيته الاجتماعية المتكاملة على صعيد العلاقات العامة والخاصة.
إن الآية تدعوهم إلى الدخول في عملية المقارنة الواعية بين علاقات الماضي والحاضر ، ليعرفوا النتائج الإيجابية والسلبية ، ليعمقوا الإيجابيات التي تفرضها العلاقات الجديدة ، ويخففوا السلبيات المتحركة في حياتهم من خلال علاقات الماضي ، ليكونوا على وعي كامل عميق لكل الأساليب التي يراد منها