بالعفائف ... ولكن جو الآية ـ في ما نفهم ـ بعيد عن ذلك كله ، والله العالم بأسرار آياته ..
إن المنهج القرآني التربوي يؤكد دائما على صلة الإنسان بالله ، حتى لا تكون له صلة بأحد أكثر من صلته بربه. لأن الله هو الذي خلقه ورزقه ورعاه في حياته ، ويرعاه بعد موته ليمنحه رضوانه وليدخله في نعيم جنته ؛ ولأن الإنسان لا يمكن أن يستغني عن ربه في أية لحظة من عمره وفي أية مرحلة من مراحل حياته ، مما يفرض عليه أن يستجيب له ، ويخضع له ، ويطيعه ويذوب في حبه وفي ربوبيته ، فذلك هو سبيل سعادته.
ومن هنا أراد الله للإنسان ، في هذه الآية المشتملة على بعض أوامره ونواهيه ، أن يقدم لنفسه عملا يرفعه إلى المقامات العليا من رضوانه ، وأن يلتزم خط التقوى الذي يمثل شمول الإسلام في مفاهيمه وأحكامه المنفتحة على وحي الله. فإن خير الزاد الذي يحمله الإنسان بين يديه ، ويقدمه لآخرته هو التقوى التي يلتزمها أولو الألباب الذين يعرفون ، بوعي الوجدان الفطري العقلي ، أن الخوف من الله هو الذي يمنح الإنسان الانضباط في خطواته ، لأنه ليس الخوف الذي يسحق الإنسان في ذاته ، بل هو الذي يرتفع بإنسانيته إلى السموات العلى التي تحلّق آفاقها في رحاب الروح. فإن الإنسان يولد من جديد ، عند ما يذوب في الله ويغيب في أعماق الخوف ـ الحب ، لا الخوف ـ الخوف. وهذا هو الفرق بين الخوف من الناس والخوف من الله ، فإن الأول يوحي للإنسان بالضعف والجفاف ، ولكنه في الثاني يوحي له بالقوة والحيوية والعنفوان.
ثم أراد له أن يذكّر نفسه دائما بأنه سيلاقي الله ، وسيقدم حسابه بين يديه مما أسلفه من أعماله وأقواله في الدنيا ، ليعمق مثل هذا الإيمان الداخلي العميق بلقاء الله الذي يملك الأمر كله : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار : ١٩] حيث ينادي المنادي: (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى الله